كريم هاشم العبودي
تم اكتشافه بالخطأ في عام 2727 قبل الميلاد، عندما كان الإمبراطور شين نونغ يغلي الماء في ظل شجرة الشاي وسقطت ورقة جافة في الوعاء.. أعجب الإمبراطور بطعم الشاي وأصبح شائعا في الثقافة الصينية!
الشاي الأكثر شهرة في العراق هو الشاي «المتخمر» على الفحم، أو كما يدعوه العراقيون «الشاي الرئاسي ..
يمتنع الجميع عن شرب الشاي إلا بعد حصولهم على تعهد من الشخص المعني بالرضا والاستجابة لطلبهم ..
هو انيس العراقيين .. في مناسباتهم السعيدة والحزينة، وفي مضايفهم ودواوينهم، وجلساتهم الرسمية وغير الرسمية، وفي المفاوضات، لا يكاد يخلو مجلس للعراقيين من مشروبهم الساخن المفضل:
بين العراقيين والشاي، قصة حب لا تنتهي حتى في ظل درجات حرارة الغليان في صيف العراق اللاهب.
بدأت قصة الحب من خارج الحدود، فالشاي مشروب صيني عريق. وفق منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة، فقد تم اكتشافه بالخطأ في عام 2727 قبل الميلاد، عندما كان الإمبراطور شين نونغ يغلي الماء في ظل شجرة الشاي وسقطت ورقة جافة في الوعاء. أعجب الإمبراطور بطعم الشاي وأصبح شائعا في الثقافة الصينية !
أصل الحكاية ؟
يقول الباحث العراقي قيس الشيخلي : يُقدم الشاي في العراق بأوعية صغيرة توضع في صحن صغير، تعرف باسم «الإستِكان»، وأصله كما يُروى من الهند حيث يطلق عليه اسم «بيالة». وكان الجنود البريطانيون المتواجدون في الهند خلال فترة الاستعمار يأخذون تلك الأوعية معهم كهدايا إلى بلدهم الأم. وللتمييز بين البيالة الهندية و كوب الشاي الإنجليزي التقليدي، أُطِلق على وعاء الشاي الهندي اسم «East tea can»، وهي تسمية من ثلاثة مقاطع
وحين دخل الاستعمار البريطاني إلى العراق، أدخل معه الجنود الهنود والشاي ووعاءه الشرقي أو الـ» East tea can»، حيث دمج العراقيون الكلمات الثلاث في كلمة واحدة للسهولة فصارت «إستكان»، لينتشر في المقاهي والأحياء والبيوت بسرعة كبيرة ساعده على ذلك رخص ثمنه وعدم وجود خلاف فقهي حوله.
العراقيون اكثر الشعوب عشقا للشاي !!
ويضيف : العراقيون مستهلكون كبار للشاي. تصدر البلد قائمة مستوردي الشاي السيلاني العام 2021. وتضم اللجنة الدولية للشاي (International Tea Committee) العراق الى قائمة الشعوب الأكثر تناولاً للشاي في العالم حيث يستهلك المواطن العراقي الواحد 0.5 كيلو غرام في العام بحسب إحصائيات اللجنة، وهو رقم يفوق بالضعف المعدل العالمي لاستهلاك الفرد الذي يناهز 0.2 كيلوغرام.
طرق تحضير الشاي وتقديمه
وهنا تحدث سيد مرتضى صاحب مقهى الباب الشرقي الواقعة في ساحة الطيران .. فقال : يشرب العراقيون الشاي الساخن في الصيف كما في الشتاء، ولا تمنع درجات الحرارة العالية التي تصل إلى خمسين مئوية في شهر تموز من شرب الشاي ساخناً، ولا تقلل من الطلب عليه. أما في الشتاء فلا يخلو بيت من مدفئة نفطية يتربع عليها إبريقان، أحدهما أكبر حجماً من الآخر يطلق عليه اسم «الكيتلي» يحتوي على ماء ساخن يحافظ على حرارة الشاي في الإبريق الأصغر المثبت فوقه والذي يطلق عليه اسم «القوري». وكلاهما إبريقان متشابهان في الشكل ومختلفان في الحجم و الوظيفة.
جاي السنكين !!
ويضيف سيد مرتضى : يُفضل العراقيون شرب الشاي الغامق، ويطلقون عليه اسم «سنكين»، وفي اللهجة العامية العراقية يطلق على الشاي «چاي»، بالجيم ذات النقاط الثلاث كما تلفظ في روسيا وأوكرانيا وتركيا.
ويحضر الـ «چاي» العراقي إما بوضع الماء وأوراق الشاي الأسود في إبريق الشاي «القوري»، تضاف له حبات الهيل ، أو عبر تسخين الماء حد الغليان ثم وضع أوراق الشاي فيه وإطفاء النار بعد ثوان قليلة، ويترك الشاي لـ» يتهدر»، أو يتخمر قبل شربه.
قصة الشاي المتخمر
أما الشاي الأكثر شهرة في العراق فهو الشاي «المتخمر» على الفحم، أو كما يدعوه العراقيون «الشاي الرئاسي» حيث يتم طبخه عبر وضع أوراق الشاي والكثير من حبات الهال في إبريق مصنوع من الألمنيوم، ويوضع إلى جانب منقلة شوي اللحوم وخصوصا السمك المسقوف.
لا يوجد زمان ومكان لشرب الشاي بالنسبة للعراقيين، فهو يُشرب صباحا مع الفطور، ويتم تناوله بعد وجبة الغداء والعشاء. ويُشرب وحده أو مع الكعك أو المعمول (يطلق عليها اسم الكليجة في العراق).
وسيط للصلح وطلبات الزواج
في المضايف، يحتل الشاي موقعاً مهماً من المجلس، ليس كمشروب ضيافة فحسب، بل كوسيط اجتماعي تدور حوله مناقشات تتعلق بأمور اجتماعية هامة، مثل عقد الصلح في قضية خلافية أو سداد ديون أو تقديم طلبات الزواج.
ففي حالة التوجه لطلب رضا صاحب القرار في قضية ما، فإن صاحب الحاجة «يُمَشي» رجالا من أقاربه، بصحبة سيد أو شيخ أو وجهاء معروفين، بحسب أهمية الموضوع وحساسيته وقدرة الأشخاص على التأثير.
بعد استقرار «المشاية» في منزل أو مضيف الشخص المعني بالطلب، يبدأ توزيع أقداح الشاي على الضيوف، يمتنع الجميع عن شرب الشاي إلا بعد حصولهم على تعهد من الشخص المعني بالرضا والاستجابة لطلبهم. ومن النادر أن يتم رفض الطلب في حال الإعداد الجيد من قبل صاحب الحاجة من حيث اختيار أشخاص لهم مكانة اجتماعية مهمة أو لهم حظوة لدى صاحب الشأن.
طقوس خالدة
وللمضايف والدواوين تقاليد عند تقديم الشاي، يمكن أن تسبب مشاكل كبيرة لصاحب المضيف إذا لم يكن من يقدم الشاي على دراية بها، فصينية الشاي عند التقديم يجب أن تبدأ من الشخص الأكبر سناً أو الأعلى مكانة، ثم يدار التقديم من اليمين إلى أن يتم وضع أقداح الشاي للجميع.
أما أقداح التقديم والتي تقتصر في المضايف على «الإستِكان»، فيجب أن تكون ممتلئة غير منقوصة، وإلا اعتُبر الأمر ذماً للشخص. وللملعقة أهمية خاصة عند تقديم الشاي فيجب وضعها على الصحن، ويمنع وضعها داخل قدح التقديم وإلا تم اعتبارها إساءة بالغة للضيف يمكن أن تؤدي إلى خلاف كبير خصوصاً إذا كانت هناك مشكلة عشائرية يراد إيجاد حل لها.
أحيانا، يترتب على نسيان شيء من هذه التقاليد أو التغاضي عنها إجراءات ترضية واعتذار تقدم من صاحب المضيف إلى ضيوفه.
طقوس خاصة ومعتقدات شعبية!
للشاي أدوات تتسابق ربات البيوت على اقتنائها، ولا يخلو منها أي بيت من بيوت العراقيين كل حسب تفضيله وإمكانياته. فالبعض يقتني السماور لصنع الشاي، والبعض الآخر أباريق الالمنيوم أو «الستاينلس ستيل»، وهناك أباريق خزفية تتوارثها النساء عن أمهاتهن وجداتهن.
جميع المقتنيات المتعلقة بصناعة الشاي تطورت في الوقت الحالي وتنوعت أشكالها وهندستها، على رأسها «الإستكان التقليدي»، الذي يفضله كبار السن بشكل خاص في البيوت. أما الشباب فيفضلون تناول الشاي في الأكواب. بعض المقتنيات يتم توارثها جيلا بعد جيل، وبشكل خاص الأنتيكات من الأقداح والاباريق والملاعق وأوعية حفظ السكر («الشكردان»)، المطلية بالذهب أو المصنوعة من الزجاج والفضة.
ولا تخلو ثقافة الشاي في العراق من المعتقدات الشعبية، فتتجنب النساء وضع ملعقتين بالصدفة في أقداح الشاي المقدمة للرجال، والذي يعني أن الشخص سيتزوج بثانية إذا كان متزوجا أو إذا كان عازبا فيقال إنه سيتزوج باثنتين. أما إذا تم صب الشاي وظهرت الفقاعات في القدح، فتعني أن ثمة رزقا جديدا في الطريق، وتحرص ربات البيوت على إبعاد وجه إبريق الشاي عن صاحباتها، وإلا كان معناه الدخول في مشاكل عائلية.
وللمرأة العراقية طقوسها الخاصة في تناول الشاي، وخصوصا طقس يومي متوارث يسمى «شاي العصاري»، تتناوب فيه النساء على استضافة بعضهن وقت العصر، لاحتساء الشاي وتبادل الأحاديث والحكايات.
ويعتبر « چاي العباس» واحداً من أشهَر الطقوس النسائية في العراق، وهو دعوة لشرب الشاي تقدمها النساء عندما يحقق الله لهن أمنياتهن التي غالبا ما تكون متعلقة بالأبناء. تتضمن الدعوة تقديم الكعك الشعبي المعروف بـ»كعك السادة» وهو خليط من الطحين والسكر والسمن البلدي دون إضافات، ويكون صلبا يتم تذويبه عبر وضعه في قدح الشاي ثم أكله.