عمر سعد سلمان
قبل سقوط النظام الملكي 1958م كان العراق دولة مصدرة للحاصلات الزراعية (الحنطة، الشعير، الرز، التمور) بفعل وجود النظام الاقطاعي الذي يشكل 2% من المزارعين ويستحوذ على 68% من الأراضي الزراعية.
ومع مرور الوقت تراجع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج الإجمالي المحلي وأصبح طارداً للتشغيل بسبب تدني الإنتاج وارتفاع الكلف التشغيلية وتراجع العوائد مما أحدث هجرة من الريف الى المدينة.
وتظهر في الاحصائيات الرسمية تراجعاً في إنتاجية الدونم في العراق مقارنة بمصر وتراجعاً في استخدام الأسمدة. لو تم سحب الدعم من البطاقة التموينية وشبكة الحماية الاجتماعية وشركات التمويل الذاتي العامة باتجاه الدعم الزراعي لكانت النتائج المتحققة تصنع المعجزات خلال 10 سنوات.
ويواجه القطاع الزراعي العراقي تحديات كبيرة نتيجة تخلف المستوى التكنولوجي لعدم وجود استثمارات محلية في هذا المجال مما تبرز الحاجة الى استثمارات اجنبية كثيفة. كما ان شحة المياه تحدي أساسي يستدعي التفاوض مع تركيا من جهة والاستثمار في السدود وخزن المياه وتقليل نسبة الهدر والضياع. كم ان تراجع الدعم على مستلزمات الإنتاج وشحة التمويل بسبب انخفاض أسعار النفط بوصفه القطاع الممول الوحيد للدخل، وتتعمق المشكلة أكثر مع مرور الوقت نتيجة الزيادة السكانية العالية وعادات الولائم والمباهاة والتبذير. واخيراً فأن رفع الحواجز الجمركية بعد عام 2003 أدى الى اغراق السوق بالمستورد الأجنبي الذي يتميز بالنوعية الجيدة والكلفة الواطئة خصوصاً ان العراق يجاور تركيا اقوى المصدرين الزراعيين على مستوى الشرق الأوسط والذي وصلت صادراتها الزراعية 86 مليار دولار عام 2021.
من الجدير بالذكر انه لا يمكن الاعتماد على الاستثمار الحكومي في تطوير القطاع الزراعي خصوصاً وان الميزانية الحكومية 75% منها هي مصاريف تشغيلية، الامر الذي لا يعطي لواضع الخطة الاستثمارية المرونة في الانطلاق نحو مشاريع مهمة ويبقى اسير المشاريع الصغيرة وعمليات التأهيل المحدودة، والتحدي الاخر هو ترهل الجهاز الإداري وعدم كفاءته في تنفيذ الموازنات الاستثمارية في المجالات المخصصة لها، واستفحال الفساد المالي.
يبقى الحل الوحيد هو الاستثمار عبر القطاع الخاص الذي لا يستثمر بالزراعة لأسباب جوهرية في مقدمتها الوضع الأمني في المناطق الريفية وسياسات الحكومات ما بعد 1958 التي جعلت القطاع الزراعي مسلوب الإرادة ومتخوف وعديم المبادرة ويعتاش على مختلف أنواع الدعم الحكومي للمدخلات والمخرجات والحماية الجمركية ولم يحاول تنمية قدراته التنافسية ولم يتم الاخذ بيده بشكل جاد. الى جانب التأخر في اجراء الإصلاحات التشريعية والهيكلية والفنية المتعلقة بخلق البيئة الملائمة لعمل اقتصاد السوق وجذب المستثمرين.