كريم هاشم العبودي
أسماك الزينة لا تثير اهتمامنا بشكل كبير مثل الحيوانات الأليفة كالقطط والكلاب، وهذا ربما لأننا لا نحضنها ولا نقترب منها بنفس الدرجة للأسف , نراها في حوض الماء تسبح وتفتح فهما وتغلقه، لتثير باستمرار شهية الهرة التي تعيش معك في البيت لتناول وجبة سمك شهية، هذا ما نعرفه عنها.لكن عالم أسماك الزينة فيه الكثير جداً مما يتجاوز كثيرا ما تشاهده بعينيك..وبشأن هذا العالم الجميل عالم اسماك الزينة , نلتقي احد هواتها , ويدعى محمد جاسم الحيالي / مهندس زراعي والذي امضى ثلاثون عاما بتربية اسماك الزينة , يقول الحيالي عن اسرار هذه الهواية : هناك أربعة أشياء لا تعرفها عن أسماك الزينة، بعضها يحتوي على الكحول…فعليك الحذر, تربى أسماك الزينة في الأساس كمصدر للحوم , ولا تربى في الأساس كحيوان أليف، بل لتكون ضمن وجبات الطعام على المائدة , و هي نوع من الأسماك التي تعيش في مياه شرق آسيا، وكانت السلالة الأصلية التي تنحدر منها أسماك الزينة الحديثة ذات لون يميل إلى الفضي الرمادي وتعرف باسم «تشي»، وهي السمكة التي كانت في وقت من الأوقات الأكثر استهلاكا من قبل الصينيين , وفي أغلب الأحيان قد تؤدي التغييرات الجينية إلى إنتاج أسماك حمراء لامعة أو برتقالية، أو صفراء. أما في الطبيعة، كانت هذه السمكة تتميز عن غيرها وتبتلعها سريعا الأسماك المفترسة.
الرهبان البوذيون !!

وبشأن ظهور واكتشاف هذه الاسماك يقول الحيالي : في القرن التاسع بدأ الصينيون وخاصة الرهبان البوذيون بتربية هذه الأسماك في أحواض لحمايتها من الأسماك المفترسة.
ووفقا للأساطير، فإن الحاكم تينغ ين-تسان اكتشف أسماك تشي الذهبية والصفراء في حوض بالقرب من مدينة جياشينغ، أطلق عليه «حوض الرحمة».وبحسب التقاليد البوذية، يعتبر منح الحرية للحيوان من أفعال الخير، خاصة إذا كان هذا الحيوان نادراَ. ومن هنا أصبح شائعاً في جميع أنحاء الصين تربية أسماك «تشي» الملونة النادرة في قدور الطهي ومن ثم إطلاقها الى أحواض المياه.
ويضيف : توثق السجلات الرسمية تراكم أسماك «تشي» الملونة التي تعيش في الأحواض نحو عام 975 ميلاديا. ولكن لمدة تصل إلى 100 عام على الأقل، لم تختلف هذه الأسماك التي تربى في الأحواض عن تلك التي تعيش في البحيرات أو الأنهار.
وتختلف أسماك «تشي» البدائية عن الحيوانات الأليفة في أنها تختبئ عن البشر ولا تأكل الطعام الذي يلقى إليها. يقول اي كي بالون من جامعة غيلف في أونتاريو بكندا «إنها أسماك أسيرة استغلت لغايات دينية ..

تقنية مثيرة للازعاج
ويتابع : بدأت في عام 1240 تقريبا تربية أسماك الزينة، وتمييزها عن أسلافها من أسماك «تشي». وكانت أليفة وباتت تقبل الطعام الذي يقدم إليها وتأكله. وفي «أحواض الرحمة» العامة، عاشت أسماك الزينة إلى جانب سمكة «تشي»، والسلاحف وغيرها من الكائنات البحرية , لكن الأغنياء الذين كان بإمكانهم بناء أحواض خاصة لتربية الأسماك على أراضيهم كانوا يحرصون على ملئها فقط بأسماك الزينة الجميلة الملونة.ونظراً لوفرة الأسماك الذهبية، بات من السهل على مربيها تهجينها لإنتاج أنواع محددة تحمل أشكالا تثير الإعجاب. وبحسب بالون من جامعة أونتاريو، فان ذلك بدأ فعليا في عام 1163 في حوض الأسماك الذهبية في قصر «تي شو» بمدينة هانغتشو.وكغيرها من التقنيات، هناك جوانب سلبية لأحواض السمك.
ويستدرك : ما بين هذه الفترة وبداية عام 1500، بات شائعاً تربية السمك الذهبي في الأحواض. وقد جعل ذلك تربية أسماك الزينة أقل تكلفة بكثير، نظراً لأن كل الناس تقريباً كانوا يمتلكون أحواضا خزفية.
التكاثر صناعيا
وفي ظل الطفرة في تكاثر الأسماك صناعياً، جرى إنتاج نحو 250 نوعاً من أسماك الزينة التي نراها اليوم، والتي وصفتها موسوعة الحيوان لمؤلفها بارنيل عام 1969 بأنها «غريبة الأطوار» و»شنيعة».
وتقول الموسوعة إن «مجرد الإشارة الى أسمائها تكفي للتأكيد على هذه النقطة والتي تشمل: فيل تيل (الذيل الثلاثي المنسدل) التلسكوب، سمكة البيضة، مقياس اللؤلؤ، كاليكو، سمكة الؤلؤية، بهلوان، المذنب، النيزك، المرقط ورأس الأسد. هناك أيضاً عين فقاعة الماء، السمكة الزرقاء، السمكة البنية، بومبون، وفانتيل (السمكة ذات الذيل المروحي) وغيرها الكثير , ولا تساعد هذه التغييرات الجينية هذه الأنواع من الأسماك على الحياة في بيئتها الطبيعية في الأنهار أو البحار.

سلالات اسماك الزينة

اما الحاج ابو فراس الذي امضى ايام شبابه كبائع وخبير اسماك زينة فتحدث قائلا : في الوقت الذي تحمل أسماك الزينة المهجنة صفات «تلبي ما يفضله البشر وترضي فضولهم»، فإن ذيلها المزركش في «غاية الجمال والجاذبية، لكن لا يمكنها التحكم به»، كما أن أجسامها «ضخمة بطريقة غير متناسقة»، بحسب ما ورد في دراسة نشرها توميوشي كومياما وزملاؤه من كلية طب جامعة توكاي عام 2009 في اليابان.سمك زينة بعيون جاحظة
ويضيف : بعض سلالات أسماك الزينة أكثر تحملاً من غيرها ويمكن أن تكون أليفة بالفعل. وأشارت دراسة بريطانية إلى أن خمسة أنواع من السلالات الدخيلة التوسعية على الأقل تعيش في الأحواض الصناعية بشكل جيد، وهي: الذهبية، وشوبنكين، وفيرغراوند، والسمكة البنية، ورأس الأسد، والذهبي.وبينما يعتبر الموطن الأصلي لأسماك «تشي» هو الأنهار والبحيرات في شرق ووسط آسيا، فإن أسماك الزينة موجودة الآن في مختلف أرجاء أوروبا وجنوب أفريقيا ومدغشقر والأمريكتين، وكذلك في أوقيانوسيا وجزر الكاريبي.وجاءت معظم هذه الأسماك إلى هذه المناطق إما عن طريق إطلاق سراح أسماك أليفة لا يرغب أصحابها في الاحتفاظ بها أو أنها أسماك هربت من أماكن تربيتها أو توزيعها.

ماذا تأكل ؟

ويضيف : وقد ورد في دراسة نشرت عام 2001 أن أسماك الزينة التي جاءت من بيئة مختلفة تأكل بيض أنواع معينة من السمك. ورغم أن أسماك الزينة عادة لا تأكل بيض السمك، فإنها تتعلم بسهولة أكلها إذا رأت أنواعا أخرى من الأسماك تتغذى عليه، وينتقل هذا سريعا إلى باقي أفراد سلالة سمك الزينة.وذكر باحثون أن أسماك الزينة تأكل يرقات وبيض السلمندر بنهم شديد «لدرجة أنها وحدها قادرة على القضاء على وجود برمائيات ايداهو في أماكن التكاثر الملائمة لها.»تساعد أسماك الزينة على تحديد قوة الإبصارة ودرجة الثمالة وباتت أسماك الزينة شيئاً مألوفاً في مختبرات، ربما لأنه يسهل الحصول عليها، ويسهل تدريبها.

سلبيات العمل

الشاب حيدر جواد كاظم / صاحب محل لبيع اسماك الزينة, تحدث عن هذا العالم فقال : أغلب سكنة الشارع يمتلكون اسماك زينة ، ولم يعودوا يستطيعون التخلي عنها و يشير حيدر بانه بدأ العمل في هذه المهنة منذ عام 2006 بعد ان لاحظ إقبالا عليها من قبل المواطنين , وتابع قائلاً : بمرور الزمن ، اصبح لي تجربة جيدة ، واستطعت تجاوز الكثير من السلبيات التي رافقت عملي لاسيما وان هذه الثقافة الاجتماعية تعتبر جديدة على مجتمعنا , ويشير الى انه باع في شهر واحد حوالي ستين سمكة زينة من نوع ( كولدن ) لأنها سمكة مرغوبة من قبل الناس بسبب ألوانها الجذابة وحركتها الجميلة في الحوض .وأضاف : تتراوح أسعار الأسماك بين عشرين دولارا الى أربعين ، كما هناك أنواعا أخرى تبلغ أثمانها أكثر من ستين دولاراً.  وفي أغلب مدن العراق توجد العشرات من دكاكين بيع الاسماك ، التي تدر دخلا جيدا على أصحابها. ومن الأنواع التي يقبل عليها المواطن لتربيتها في المنازل والمتاجر والقاعات ،سمكة ( كات فيش ) الغريبة الشكل ، و (سورت) بألوانها المثيرة ، و (انجل) التي تبدو مثل طير يفرش جناحيه ، و (غوراني ) بحركتها السريعة المفاجئة ، و ( بلاك مودي ، وايت مودي) ،إضافة الى نوع غالي الثمن هو سمكة (الكوبي) ، والتي سميت بهذا الاسم لانها تلد الآلاف اذا ما توفرت البيئة المناسبة . ويؤكد رحيم طالب ، وهو من هواة تربية الاسماك ، انه اشترى حوضاً منذ سنتين ومستمر في إدامته وشراء أنواع جديدة من الأسماك له .وتابع قائلا : أشعر بالراحة وأنا أرى نشاط الأسماك الصغيرة الدائم في البحث عن الغذاء وهي داخل الحوض. 

كسر طوق الوحدة

ويرى طالب أن أسماك الزينة عوضاً عن كونها تضفي على المكان جمالا ، إلا انها كانت أحد أسباب تحسن الحالة النفسية له ، وكسر طوق الوحدة الذي يعيشه. وفي سوف الغزل في بغداد يتبين الانتشار الواسع لهذه الهواية من خلال كثرة الذين يتاجرون بهذه الاسماك. ويقول عمر محسن الذي يبيع الاسماك في سوق الغزل منذ سنوات ، ان الكثيرين يربون هذه الأسماك لأنها تضفي أجواء محبة وتعايش داخل الاسرة وتقرّب أفرادها مع بعضهم.وأضاف : لم يعد الناس يضطرّون الى المجيء الى سوق الغزل لشراء هذه الأسماك الا نادراً ، لان هناك اليوم الكثير من المتاجر المتخصصة المنتشرة في اغلب مناطق بغداد ، عوضاً عن انتشارها في المدن العراقية المختلفة. الباحث الاجتماعي لطيف أمين الذي هو الاخر يمتلك حوضاً لأسماك الزينة ، يرى ان أغلب الذين يحرصون على اقتناء هذه الاسماك ، يشعرون بحاجتهم لها، من الناحية النفسية .

دورات تدريبية

وتابع قائلاً : حتى الاطفال يتعلمون منها النشاط والحيوية وهم يراقبون الاسماك التي لا تكل من السباحة داخل الاحواض. ويدعو الاكاديمي حيدر جواد الى خضوع أصحاب المتاجر لدورات تدريبية خاصة لغرض الانتقال بعملية تربية أسماك الزينة من ( الارتجالية ) الى الحرفية. ويشير جواد الى ان الكثير من المواطنين وأصحاب المتاجر يفقدون الكثير من هذه الاسماك التي تستورد من الخارج بالعملة الصعبة بسبب عدم إتباع الأساليب العلمية في التربية.

السمكة الذهبية !!

وتابع قائلا: يسبب ذلك ، خسائر مادية ومعنوية للأسرة العراقية التي هي حديثة في تجربة تربية الاسماك.وفي سوق الغزل في بغداد يشتهر محسن كولفش، البائع المثابر لأسماك الزينة ، والذي حمل هذه التسمية لانه أول شخص باع سمكة الكولفش الذهبية. وهذه السمكة ، اصبعية ، ذات لون برونزي مائل الى الصفرة ، كتب على جسمه لفض الجلالة(الله) . يقول محسن : بسبب ذلك صار الاقبال على هذه السمكة كبيرا على رغم سعرها الغالي نسبيا. و أضاف : كثيرون يعدونها سمكة مباركة ، تجلب الرزق والسعادة اذا ما تمت تربيتها في المنزل . ويتحدث بائع أسماك الزينة عامر سعيد عن ان الزبائن يفضلون في الغالب الاسماك الجميلة المنظر ، ذات الالوان الزاهية ويتجنبون الأسماك ذات الأشكال الغريبة والمخيفة .