– إستخدام اليورانيوم المنضب في الحرب على العراق احد أهم أسباب التلوث البيئي و الإشعاعي في المنطقة
– أنا إمراة عراقية عاشت بين حروب و حصار و إعتراك طائفي..!
– «ممنوع لأسباب سياسية» عرقلت مسيرتي العلمية و الإجتماعية
– السفر نزهة و ثقافة و تعلم و قفزت فرحا أمام لوحات دافنشي
حوار: هاشم البدري
يعد علم الفيزياء علم شائك و معقد إلى حد بعيد، والخوض فيه يحتاج لمعرفة كبيرة و عقول متفتحة كونه يتعلق بالطبيعة و البيئة و حياة الناس و ماله من تأثير في المجتمعات و البشرية بأسرهما، فما بالك بالفيزياء النووية، و التي تعد احد فروع الفيزياء بما احدثت من نقلة نوعية في تغيير موازين النظام العالمي بتأثيرهما الإيجابي أو السلبي.
ضيفنا اليوم.. التدريسية المتقاعدة في الفيزياء النووية الإستاذ المساعد رملة العلوي، حاولنا الغوص في سبر اغوار عالمها و ما تأثير ذلك في حياتها و المجتمع.
« الشرق» تضع على طاولتها العديد من الأسئلة بمجال تخصصها العلمي في «حوار بلا قيود» عبر الآتي.
– بكلمات مقتضبة، من هي رملة العلوي؟
– رملة العلوي إمرأة عراقية عاشت أزمنة صعبة بين حروب وحصار وإعتراك طائفي، كما أي إمرأة عراقية من جيلها، ومع ذلك تعلمت كيف أتحدى، وكيف أعبر الألم بضحكة وهذا تعريفي للصبر ، أكثر عبارة واجهتها بحياتي وكانت صخرة تجعل قلبي يبلغ الحنجرة من الغيظ هي عبارة « ممنوع لأسباب سياسية» التي عرقلت مسيرتي العلمية والإجتماعية أيضا، متزوجة ، لي أثنا عشر بحثا منشورا في مجال تخصصي.
– ما تأثير عائلة ال العلوي في بناء شخصيتك و تكوينك؟
– عائلة العلوي بغدادية كرادية لها جاه وباع طويل في العلم والأدب والعمارة وأيضا السياسة لم نكن من العوائل المرفهة ماديا، بل كنا و ما زلنا أغنياء بما حاول ونحاول أن نُسخر ما تعلمناه في خدمة العراق
ورثت جينات التعلم وأكتسبت بعض الأفكار والسلوكيات من الحكايات التي كان يرويها لنا أبي و أمي وأولاد عمي وأخوتي عن تاريخ العائلة.
فجدي السيد سلمان تتلمذ على يده الكثير من الفقهاء و تواجد شخصيات من امثال هادي العلوي و حسن العلوي ضمن العائلة لم يك شيئا قليلا، فكنت أستمع لكل ما يقولانه عن ايدلوجيات المجتمع في زمن عاصروه أبان الملكية واحاديثهم عن نوري السعيد و عبد الكريم قاسم الذي كان يستأجر بيت احد اجدادي و غيرها من الحكايات.
كل هذا منحني عمقاً فكرياً بحيث أدقق نظري وسمعي لأتعلم و يحملني ذلك مسؤوليات كبيرة للحفاظ على أرث واسم العائلة.
– الفيزياء النووية علم شائك و معقد، كيف تجهت لذلك، و ما تأثيره في مسيرتك الشخصية؟
– لم تكن في بالي دراسة الفيزياء ابدا، بل هو خيار القبول المركزي كنت اتمنى دراسة اللغة الانكليزية.
اما تخصصي بالفيزياء النووية كان من إختياري فقد أثار فضولي العلمي معرفة ما تفعله تلك الجسيمات التي لا نرها، بل ندرك سلوكها من خلال التجارب والدراسات.
إذ كنت اكلم أشعة كاما وبيتا والفا وكنت أشعر انها تسمعني وانتظر منها ان تفعل شيئا حسب التوقعات التجريبية وتفعل ما أنتظره منها.
كنت أجيدُ التعامل معها اكثر مما أجيد التعامل مع البشر..!
– و ما طبيعة تخصصك؟
– بالبداية كنت أدرس وأبحث في مجال سلوك النواة والجسيمات النووية بعدها وبسبب قرارات لجنة التفتيش الدولية في عام ١٩٩١ تم حظر كثير من المنظومات التي كانت مؤهلة للبحث في مجال النواة لذلك تجهت الى دراسة التلوث الإشعاعي.
– مامدى خطورة التلوث الإشعاعي وهل هناك نسب عالية للتلوث في العراق؟
– قمت ومن قبلي الكثير من الباحثين العراقيين في دراسة نسب وتراكيز المواد الملوثة في عدة محافظات في العراق وايضا دراسة تراكيز الإشعاع في المواد المستوردة خصوصا مواد البناء التي مصدرها الأرض التي تعد مصدر طبيعي كبير للمواد المشعة وكلنا سمع عن الأسلحة التي أستخدمتها امريكا وحلفائها في حروب الخليج المتتالية من ١٩٩١-٢٠٠٣ والتي أستخدمت فيها اليورانيوم المنضب كوقود لأسلحتها والتي كان لها تأثير كبير جدا وطويل الأمد في تلوث تربة و ماء الكثير من المناطق التي تم قصفها.
أما عن مواد البناء فكلها تحتوي على تراكيز من الإشعاع ، أتعرف أن الغبار المتطاير من قطع الكرانيت والمرمر و السيراميك يعد أكبر المسببات لسرطان الرئة و الجلد..!
في أحد أبحاثي الذي تم أختياره من ضمن البحوث المميزة وتم نشره على منصة المناهل العلمية في دبي درست تراكيز الإشعاع في البيتموس والبيرلايت المستخدمين كوسط زراعي يساعد على الإنماء ووجدت تراكيز مخيفة لبعض الأنواع المستوردة من الأسواق العراقية.
ومن المؤسف غياب التوعية و التثقيف في هذا المجال على الدولة ان تقوم بدورها من خلال إنشاء مختبرات خاصة لقياس نسبة وتراكيز الإشعاع في كل المواد المستوردة إسوة ببقية الدول لحماية المواطن ، إضافة الى إقامة حملة لتوعية المواطن كيف يحمي نفسه من الإشعاع.
– كتدريسية، هل حققت تطلعاتك بهذا المجال؟
– قطعا لا، كما تعرف إن واجبنا ليس التدريس فقط وإنما البحث العلمي ،و العالم يحتاج بيئة خاصة ليبحث ويجرب وينجز ويستنتج ، يحتاج مختبرات مجهزة بأجهزة متطورة وعالية الكفاءة ، يحتاج مؤسسات ترعى تجاربه وتتبناها وهذا غير موجود في العراق لذلك نجد العالم العراقي يبدع خارج بلده لأن هناك من يحتضنه ويتبنى علمه و افكاره لأجل ان يخدم مجتمعه..!
– الطاقة النووية غيرت موازين النظام العالمي الجديد، كيف تنظري لذلك؟
– نعم، لعبت دورا كبيرا في تغيير موازين النظام العالمي، أن كانت في استخداماتها ايجابا ام سلبا، كما في التطور الحاصل في المعمورة و بشتى المجالات، و على النقيض كما يحصل في الحروب و الكوارث التي يفتعلها البشر، و التي تحصل هنا و هناك.
– ما تأثير الطاقة النووية، لا سيما في استغلالها للأغراض السلمية، كالطب و الطاقة والبيئة و غيرها؟
– الحديث عن الطاقة النووية طويل ومتشعب لكنني سأختصر طبعا ، حتما الطاقة النووية عند استخداماتها للأغراض السليمة فالتغيير سيكون ايجابيا، كأستخدامها كوقود لتوليد الطاقة الكهربائية بدلا من الوقود الأحفوري فهي تُعد من الطاقات النظيفة كما تستخدم لإجراء دراسات بايولوجية، ولا يخفى عليك استخدامها للعلاج الطبي مثل علاج مرضى السرطان و الذي كان فعالا جدا.
– هل يمكن الحد من ظاهرة التلوث الإشعاعي على المدى القريب، لا سيما الأمراض المستعصية التي انتشرت جراء ذلك؟
– يجب على الدولة فرض فحوصات مختبرية لكل مواد البناء والأوساط الزراعية المستوردة وحتى المواد الغذائية لضمان خلوها من التلوث الإشعاعي او على الأقل ان تك ضمن الجرعة المسموح بها، كما يحدث ببقية الدول وايضا يجب وجود مؤسسات للتوعية،
للحد من استخدام الكرانيت والمرمر في صناعة دواليب المطابخ مثلا، او استخدام البيتموس للزراعة الداخلية.
– لو لم تك فيزيائية، ماذا تمنيت أن تك؟
– فيزيائية نووية.
– أراك من عشاق السفر، فماذا يعني لك؟
– السفر لدي نزهة و ثقافة، كل شيء في البلدان التي زرتها يثير فضولي للتعلم، الشجرة الصخرة الشارع، يهمني أن أعرف اسم البحر و إلى أين يمضي، يهمني أن أعرف عمر الصخرة، و ما نوع الشجرة، و معنى كل مفردة، فليس عيبا أن نكون تلاميذ مهما كبرت تجاربنا في الحياة، نحن تلاميذ المواقف و الأمكنة.
– و ما اجمل الأماكن التي زرتها؟
– دبي، لأنها بتطور مستمر، و تبهرني في كل مرة.
ايضا مدينة سان بيتربورغ و أهم شيء زيارتي لمتحف الأرميتاج، إذ كنت اقفز فرحا أمام لوحات دافنشي و هدايا الأباطرة والقياصرة.
كل شيء كانت عيني تراه اعود للقراءة عنه لمعرفته اكثر.
– هل تمارس الرياضة، و أي الألعاب تمارسيها؟
– نعم امارس رياضة المشي و ركوب الدراجات الهوائية و بعض تمارين الرشاقة.
– كلمة أخيرة؟
– الحياة هي ان نتعلم.. سنموت متى ما توقفنا عن التعلم.