عمر سعد سلمان
يعتقد معظم الناس ان الأطباء اغنياء وأكثر الناس يمتلكون النقد والذهب والعقارات، وهذه الفكرة مترسخة منذ عشرات السنين، لان الناس يربطون تكلفة الإجراءات الطبية (التحاليل/الادوية/الاشعة/العمليات) بأجرة الطبيب. ولأن الطبيب يتفاعل مع كل شرائح المجتمع وليس في شريحة معينة فانه يقع ضمن دائرة المقارنات أكثر من أي شخص اخر.
وهناك سبب اخر خفي ان لعنة المهن القائمة على الاستشارات والرأي تطارد الطبيب لان بعض الناس مستعدون لدفع 100 دولار من اجل شراء لعبة (بلي ستيشين) ولكنه غير مستعد لدفع 50 دولار لأجل استشاره قد لا تستغرق أكثر من نصف ساعة، وهؤلاء يعتقدون ان الاستشارة مكسب سريع وسهل، ولا يفكرون ان الطبيب يحتاج لدراسة تمتد الى 14 سنة عدا سنوات الخدمة كي يعطي هذه الاستشارات القصيرة.
أولى المشاكل التي ينصدم فيها أي طبيب متخرج حديثاً ان الإنتاج المالي يتأخر عنده، لان أي شخص يحصل على بكالوريوس طب يحتاج الى دراسة قدرها 6 سنوات ثم يبحث بعدها عن عمل تحت التجربة قدره سنة كاملة قبل ان يبدأ بخدمة سنتين في قرى وارياف خارج المدن الكبيرة ثم يعود الى مكانه ليستعد الى دراسة قدرها 5 سنوات للحصول على تخصص في مجال معين داخل الطب. وهذا يعني انه وصل الى سن الـ 33 عام في حالة الاندفاع السريع نحو اكمال متطلبات الطب. بعد هذه الرحلة الشاقة يبدأ الطبيب بالانخراط في سوق العمل لاكتساب الخبرات، ويكون دخله في هذه المرحلة متوسط رغم هذه التضحيات في الوقت والجهد. ثاني التحديات التي تواجه الطبيب هو ان إمكانية تحويل مهنته الى استثمار تبدو جداً صعبة ان لم تكن مستحيلة لان اقدام الطبيب على انشاء المستشفى الخاص به تتطلب ملايين الدولارات. لذلك فأن اقوى استثمار ممكن ان يحصل عليه الطبيب هو انشاء عيادته الخاصة به خارج أوقات الدوام الرسمي. وهذا الاستثمار لا تدعمه كثير من الدول حول العالم وتركز على دعم القطاع الصحي عبر قنواته الرسمية والاستثمارية. كذلك نجد ان فرصة الترقية الوظيفية في أي مهنة تعتمد على (الخبرة الوظيفية/ الإنجازات المهنية) لكن في الطب لا قيمة لها دون وجود شهادة تخصص حاصل عليها الطبيب في جامعة رصينة. أبرز التحديات المالية التي تواجه أي طبيب هي التكلفة العالية اثناء الدراسة الأولية او دراسة التخصص، الى جانب التوقعات العالية في بداية المشوار، وصعوبة تعلم مهارات مالية واستثمارية بسبب ضيق الوقت، وتكون المقدرة المالية للطبيب اقل بفعل الالتزامات العالية التي تواجهه والتي وضعها المجتمع عليه نتيجة الصورة النمطية للطبيب يجب ان يكون ساكن في حي راقي، وملابسه ماركات، ويركب سيارة مرتفعة الثمن، لذلك تكون قدراته المالية عند عمر الـ30 -50 عام محدودة جداً لدرجة انه قد يتعرض للإفلاس في أي هزة مالية او أي تحدي مالي يواجهه خلال هذه المرحلة العمرية. وهناك ضغط اجتماعي كبير على الطبيب هو ان نظرة المجتمع المثالي لمهنة الطب انها يجب ان تكون مهنة سامية خالية من الأجور والتكاليف، فبعض الناس يرى انه يجب ان يحصل على الاستشارة الطبية مجاناً وهو نفسه عندما يقدم خدمته الخاصة للطبيب فأنه يطلب أجور عالية لان الطبيب غني في نظره.