كريم هاشم العبودي
امرأة جميلة في العقد الثالث من عمرها.. زوجة لأحد الأغنياء الكبار الذي كتب نصف ثروته باسمها لانه كان يحبها حبا عميقا.. كانت تعيش بسعادة واستقرار ورغم كل ما بينهما من حب وأبناء الا ان راقصة تعمل في أحد ملاهي بغداد استطاعت ان توقعه في حبالها.. وتزوجها (بعقد خارج المحكمة) وانفق عليها الكثير من الأموال.. والغريب ان الزوجة عندما عرفت بهذه العلاقة صدمت، ولكنها كتمت صدمتها في قلبها واستمرت في حياتها بشكل طبيعي مع زوجها، وكأن شيئا لم يحدث، وعندما سألتها احدى صديقاتها عن سر صمتها من تصرف زوجها، كان مبرر الزوجة غريبا عندما قالت: لو واجهته يكون معناه أنني عرفت، ووقتها كرامتي لن تسمح لي الا بطلب الطلاق، وهذا ما لا أريده.. فكيف أطلق منه وافقد كل هذا النعيم والمال والجاه والبيت الكبير الذي سجله باسمي!! 

حينما يخضع الحب لمنطق المادة !!
من هذه الواقعة الحقيقية التي روتها (ن-خ) وهي صديقة حميمة لبطلة هذه الواقعة، نقول وللأسف أن يصبح الحب خاضعا لمنطق المادة، وانتقل التعبير عنه من الشعراء والأدباء الى خبراء الاقتصاد والمال، فأنت لا تستطيع ان تحب الا بقدر ما تملك، ولا ان تنال من الحب الا بقدر ما تعطي.. وتحولت سهام (كيوبيد) الى أسهم يتم تداولها في بورصة الحياة المعاصرة، ومثل أسهم البورصات، أصبحت تخضع لمنطق الربح والخسارة، وكأن الحب والزواج صارا صفقة تجارية بين طرفين، وأصبح هناك نمط آخر من التعامل بين الناس، لم يكن واردا في خيال المحبين ولا حتى ضمن توقعاتهم بعد الزواج!! 
وقصة هذه السيدة هي ليست الوحيدة، اذ هنالك العديد منها، لنقرأ عبر هذه السطور البعض منها!!

عطاؤه مرتبط بالمال! 
أحببت موظفا متواضعا وتعاهدنا على الزواج، لم يكن يملك سوى راتبه ولكن ذلك ما كان ليقلقني في البداية، لأنني توهمت ان الحب وحده هو الذي يربط بيننا، وأنا امرأة محرومة من الحب والحنان، هذا ما تقوله السيدة (هناء ن) موظفة. وتضيف هناء: توفيت والدتي وأنا طفلة ولقيت الهوان انا وأخوتي من زوجة أب لا ترحم، ثم توفي والدي قبل ان يطمئن علي في بيت الزوجية ورغم انني ورثت عنه ثروة طائلة، الا انني لم أتردد في اتمام زواجي من هذا الشاب الذي عاهدته على الزواج، والذي أغرقني حبا واهتماما.. او هكذا تصورت.. 
وتتابع: بعد الزواج تغيرت الصورة تماما، أصبح عطاؤه العاطفي مرتبطا بمدى ما أمنحه من المال، فأنا جميلة جدا أتفوق على أكثر بنات جنسي أنوثة وجاذبية اذا منحت بسخاء، وأنا أبشع النساء اذا أمسكت يدي عن العطاء، ولأنني عشت حياة قاسية خالية من الحب أصبحت بحاجة الى عواطفه.. أصبحت أشتري هذه العواطف.. أعرف ان هذا خطأ وألوم نفسي كثيرا، ولكنني لم أعد أملك تغيير مسرى حياتي خاصة بعد إنجابي أربعة أولاد وتقدمي في السن، نعم أنا للأسف أحبه ولا أحتمل فراقه، ولذلك أشعر ان المال لم يحقق لي الحب والاستقرار الذي كنت أتمناه، لقد حرمت من السعادة الحقيقية التي كنت أصبو اليها، سعادة المرأة التي تشعر انها مرغوبة.. محبوبة لذاتها.. وليس لما تمتلكه من المال!!

تسخر من الرومانسية 
(زهرة م) شابة لم يكن ينقصها شيء فهي تعيش في شقق شارع حيفا ولديها سيارة حديثة.. ملابسها من أرقى محال الجادرية والكرادة تنتسب الى أسرة عريقة وكريمة.. والدها متوفى وتعيش مع والدتها المسنة وشقيقتها الطالبة الجامعية، كذلك هي حاصلة على مؤهل ممتاز يسمح لها بالعمل في الدوائر الرسمية والشركات.. وطابور طويل من العرسان كأنه طابور من الشعراء هي قصيدتهم الوحيدة، لكنها ترفض الزواج الا من رجل على درجة من الثراء، كانت دائما تسخر من الرومانسية التي تعيشها شقيقتها مع خطيبها الشاب المتواضع ماديا، كانت زهرة في زيارة لصديقة لها وهناك التقته.. شاب وسيم أنيق تبدو عليه مظاهر الثراء الفاحش، وعندما سألت عنه صديقتها أخبرتها أنه صاحب معارض للسيارات في النهضة.. وتابعها بنظراته ثم اقترب منها ليقول لها بلا مقدمات انه اختارها من بين نساء الكون لتكون شريكة لحياته.. سال لعابها أمام ثرائه الفاحش، أوهمها أنه سقط صريعا في حبها من أول نظرة، ولم تتردد عندما طلب يدها، ثم أسرع الى عقد قرانه عليها.. سألها عن أحلامها في الزواج فقالت: أعيش في منزل كبير.. اضافة الى رصيد من المال باسمي في المصرف.. ووافق الشاب على ما قالته مضيفا المبلغ الذي تحدده ليكون في البنك الذي تختاره، وبعد أسبوع حضر الشاب ومعه المهر والذهب واتفق مع الأسرة على موعد الزفاف بعد أسبوعين على الأكثر حينما يعود من كوردستان لإتمام احدى الصفقات التجارية.. 
سافر الشاب وعاد في موعده وطلب من خطيبته الجميلة ان ترافقه لزيارة بعض أصدقائه لأن معه هدايا لزوجاتهم أحضرها لهم بمناسبة زفافه، وخرجت معه بعد ان وضعت علب الهدايا في حقيبتها، وأمام المصعد في احدى البنايات، وهما في طريقهما للصعود الى صديقه اعترضهما بعض رجال الشرطة وطلبوا تفتيش حقيبتها، ففتحتها لهم بعصبية وأخبرتهم لا يوجد في الحقيبة سوى مهري وبعض الهدايا لاصدقاء زوجي، وعندما فتح أحد الرجال أول علبة الهدايا أمام الفتاة، لم تكن تحتوي الا على (المخدرات) وباقي العلب كانت كذلك!! انهارت الفتاة واغمي عليها فالقي القبض عليها ولكن منّ الله عز وجل عليها بأحد المحامين من أقارب والدها والذي انتزع لها الحكم بالبراءة.. بينما صدر حكم على الشاب (عريس المستقبل) بالسجن خمسة عشر عاما!!
منحت قلبي لغيرك 
ربط الحب بين قلبينا أثناء فترة الدراسة معا، وأسرع بعد التخرج الى طلب يدي من والدي، ولكنه قوبل بالرفض التام لأنه لا يمتلك مقومات الزواج من سكن.. وغير ذلك من أمور، وكان أبي مصرا على ان من يتزوجني لابد ان يوفر لي السكن الملائم وباسمي وليس لأسرته، ورغم حبي الشديد له الا انني أمام اصرار والدي ارتبطت بشاب آخر عن طريق العائلة لانه يملك المال والسكن والسيارة الحديثة، ولكنني بعد الزواج اكتشفت انه بخيل جدا لا يشتري الا الضروريات وبعد الحاح وأحيانا لا يشتريها، ولم أعد أحتمل بخله فتم الطلاق، وجاءت مناسبة التقيت فيها بحبي الأول فقلت له: انني أصبحت حرة ومستعدة للزواج بك سواء رضي الأهل ام لم يرضوا ولو كان ذلك في شقة متواضعة!! فاخبرني بأني وأهلي فضلنا المال على الحب، أما هو ففضل الحب على المال ومنح قلبه لغيري!!
صدمة عمري 
أما قصة (سعد خ) صاحب محال تجارية في منطقة الكرادة، والذي تجاوز العقد الخامس من عمره فيسردها بلسانه، حيث قال: شغلتني هموم الحياة والسعي الى نحو جمع المال والسفر المستمر لعقد الصفقات التجارية عن الزواج وأفقت لأجد نفسي قد تجاوزت الخمسين من العمر من دون زوجة او أبناء حتى التقيت بها.. فتاة جميلة في الخامسة والعشرين من عمرها جاءت لتعمل في أحد محالي بتوصية من أحد الأصدقاء، وفورا أصدرت قرارا بتعيينها في مكتبي، ولأول مرة أضبط نفسي وأنا أفكر في الزواج، وبدأت أتقرب اليها بحرص، ثم أبتعد خوفا من فكرة الزواج، ولكنني لاحظت انها تختلق الأسباب حتى تدخل مكتبي، وباختصار تطور الأمر حتى باحت لي بحبها.. وانها أصبحت متعلقة جدا بشخصيتي، وانها لا حياة لها من دوني، وانني اذا لم أتزوجها فستعيش العمر كله بلا زواج رغم كثرة الذين تقدموا اليها.. 
ويضيف: صدقت كلامها، فقد كانت عقدة حياتي ان أتزوج ممن تطمع في ما أملك وليس حبا في شخصي، خاصة واني كافحت طويلا حتى كونت اسمي وثروتي من العدم تقريباـ وتزوجتها أنا أحسد نفسي على نصيبي من الحياة، ولكن الزوجة التي كانت تذوب حبا في شخصيتي ما كادت ترسي قواعد وجودها في حياتي بالانجاب، حتى كشفت النقاب عن حقيقة أهدافها ومشاعرها، وكانت صدمة عمري حين قالت في لحظة غضب حينما نبهتها الى اسرافها الشديد غير المبرر، (لابد ان تعلم جيدا انني لم أتزوجك الا من أجل ان أنفق المال كما أشاء، وعليك ان تحمد الله على نعمة زواجك مني)، فهي رفضت شبابا كثيرين في مثل سنها، لانهم لا يمتلكون ما أمتلكه، ولذلك فهي لها الحق في ثروتي بقدر ما أخذت حقي من شبابها!!
رأي علم النفس 
وللوقوف على تفسير وأسباب هذه الظاهرة، تحدث د.كاظم التميمي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد، قائلاً: هناك مقولة لعالم النفس (فرويد): ان الصحة النفسية للأفراد تكمن في قدرتهم على الحب والعمل، وما تسميه بالحب لا يمكن ان يكون مجرد تعلق شهوي لمصلحة ذاتية بصرف النظر عن مصالح الطرف الآخر، انما هو تعاقد انساني نبيل يجعل من الأنا آخر والآخر أنا)، فأين نحن من هذا السلوك الذي يعلي فيه الفرد قيمة المال والماديات على قيمة المشاعر. 
ويضيف: من المؤكد ان هناك من لا يقبل أبدا بالمتاجرة بمشاعره لأنه من الممكن ان يتاجر بأيّ شيء حتى وان باع نفسه وضميره، ونحن نرى حتى في هذا العصر المادي الذي نعيشه من يعطي من مشاعره ولا ينتظر المقابل، وهذا يعود للتنشئة الاجتماعية والقدرة على العطاء وهي هبة من الله سبحانه وتعالى، ولكن العطاء يجب في كل لأحوال ان يكون متبادلا.. 
ويتابع: من المؤكد أيضا ان التطلعات المادية للناس زادت شراهة، وهذه الشراهة أضاعت في طريقها قيما أساسية مثل الرضا والقناعة، ويظن بعض الناس ان المال يوفر لهم الحماية والأمان، وهذا خطأ جسيم فلا شيء يوفر للانسان الأمان غير الحب والمشاعر النبيلة التي تقوم على الرحمة والتجرد من الانانية البغيضة، فالحب ان سيطر على المادة استقامت حياة الانسان وتوازنت وتحقق له قدر أكبر من السعادة، والعكس صحيح أي ان غلبة المادة على العاطفة تجعل الحياة جافة وجامدة وعرضة للكسر والانهيار السريع، حتى تتركز العلاقة بين البشر على (كم يدفع) و(ماذا أستفيد)، وبهذا المنطق لا تستقيم حياة بشرية سوية..