بقلم / حسن الموسوي/ العراق
يحاول الروائي علاء الوردي من خلال روايته العصافير تحلق ثانية و الصادرة عن دار و منشورات جلجامش في بغداد و المكونة من 255 صفحة و من القطع المتوسط ان يبعث الأمل في نفوس القراء بعد كم هائل من الروايات التي كانت ثيمتها الرئيسية الحروب و الدمار .
من العنوان الذي هو العتبة النصية الأولى ، و معنى التحليق للمرة الثانية انها قد حبست ثم تحررت لتعاود التحليق مرة ثانية و في ذلك إشارة الى الحرية و زوال الهم .
يقول بسام قطوس ان العنوان هو سمة العمل الفني أو الأدبي الأول من حيث انه يضع النص الواسع في حالة اختزال .
فالروائي يعبر من خلال العنوان عن الوظيفة الدلالية الأولية و الجمالية و الثيمة الرئيسية للعمل الأدبي، فالعنونة مهمة لأنها تساعد على تفسير العمل الادبي و تأويله ، و يمكن ان نحدد أهمية علاقة العنوان بالمتن السردي من خلال تأويل دلالاته .
العتبة النصية الثانية هو غلاف الرواية ، حيث تظهر فتاة تقف خلف نافذة مفتوحة و هي تحمل قفصا فارغا ، فيما يكون المشهد خلف النافذة لعصافير تحلق في وقت شروق الشمس و في ذلك رمزية عالية بأن الظلام قد ولى و ان الشمس بشروقها الجميل قد بددت ذلك الظلام .
من الأمور التي تحسب لمصمم الغلاف ان تحليق العصافير قد تزامن مع شروق الشمس ، و الغلاف هنا عبارة عن لوحة فنية جميلة و هي متطابقة مع العنوان ، كما أن ألوان الغلاف متطابقة مع ألوان شروق الشمس .
العتبة النصية الثالثة هو الإهداء حيث يقول الروائي في اهدائه { الى الباحثين عن الحرية
الثائرين من أجل العدالة
إلى حيدر
ولدي العزيز في حفظ رب الجلالة } .
يستخدم الروائي الحوار الفلسفي بين شخصية البطل شكر و الحاج منصور الملا من أجل أن يمرر أفكاره حول الوجود و خلق الإنسان و الغاية منها حسب ما ذكرته الكتب السماوية من ان الله قد خلق الإنسان لأجل ان يكون خليفته في الأرض ، كما تطرق الى الصراع الازلي بين بني البشر ، حيث يقول { يا أخي حتما سمعت عن انسان يقتل إنسانا أو يذبحه لسبب تافه ، حتى يصل القتل على الاسم الذي تسمى به و هو خارج عن ارادته أو يقتله بسبب الهوية العقائدية و المذهبية } ص 14 .
و هنا يتطرق الروائي الى الحرب الطائفية التي اندلعت في العراق بعد الغزو الأمريكي و كان المحتل هو من أوقف هذه الحرب و حرص على بقائها الى أطول فترة ممكنة من أجل أن يسرق كل خيرات البلد بينما الشعب منشغل في الحرب الأهلية .
يستخدم الروائي تقنية الاسترجاع{ الفلاش باك } كما نرى ذلك ليسرد لنا قصة حبه مع فتاة أحلامه ، هي أجمل أيام العمر لأي شاب و لأي فتاة فمنها يتحدد المستقبل اما مشرق بهيج أو كئيب متشح بالسواد ، حيث يقول الروائي { سحبني من يدي و هو يقول لي ، آلاء سوف انتظر سؤالك و يجب ان نلتقي بأقرب وقت حتى تعرفي الكثير ، لكن لا تطيلي عني الغياب، و انا انتظرك بعد الامتحان و لا سيما ان الامتحان الأخير بهد غد و تأتي بعدها العطلة لمدة أسبوعين } ص 44
و الفلاش باك أو تقنية الاسترجاع هو اسلوب يعمد إلى استخدامه الكاتب لزيادة الاثارة في المتن السردي حيث يعمد الكاتب الى قطع الزمن الحاضر في سرده للأحداث ليعود بالقارئ الى الزمن الماضي مع مراعاة لخصوصية ذلك الزمن من طريقة الملبس و الأحداث و حتى السيارات التي كانت سائدة انذاك .
ان استخدام تقنية الفلاش باك فيها عدة فوائد و أهمها زيادة الاثارة و التشويق و منح القارئ استراحة حينما يقرأ عن أحداث آنية يعيشها بأدق تفاصيلها.
ذكريات عاشها الكاتب ليعيد صياغتها بطريقة جديدة حتى بعد ان غير اسماء الأبطال و الأمكنة و بعض الأحداث.
يقول الروائي البريطاني جون برين في كتابه كتابة الرواية { لا تفزع حتى من أشد الذكريات إيلاما ، إفرغها أمامك و عندئذ ينتهي فزعك فمن اللازم ان يحرر الروائي ذهنه من كل الدواليب المقفلة و الأبواب المغلقة ، و انت كروائي تحتاج إلى كل شيء أمامك لتختار ما تريد ، فقد يكون ما هو مؤلم من الذكريات أكثرها فائدة لعملك الروائي اذن أكتب عنه فلا يعود يسبب لك ألما } .
يعيش الروائي حالة تسمى النوستالجيا و هو مصطلح يعني التعلق بالماضي بشكل عام أو الحنين الى الماضي .
يتطرق الكاتب الى مشاكل اجتماعية عديدة يضعها على الطاولة للاستفادة منها من قبل القراء و بذلك يحقق الروائي الغاية من الكتابة و أعني هنا ما يعرف برسالة الروائي مشاكل اجتماعية أطلت برأسها و ألقت بظلالها على الجميع فمن الزواج بالإكراه نتيجة الطمع ، مرورا بالضغط التي تمارسه العائلة على الفتاة لإجبارها على الزواج مرورا بالخيانة الزوجية كلها مشاكل ينبغي التوقف عندها و معالجتها .
كذلك يتطرق الروائي الى الاواصر الإنسانية التي تجتمع في بلاد الغربة و مساعدة الآخرين كما نجد ذلك جليا في هذه الرواية .
الزمن في هذه الرواية هو فترة التسعينات و ما رافق ذلك الزمن من مآسي و ما حصل للشعب العراقي من حصار و تكميم الأفواه و مصادرة للحريات و الزمن الثاني هو ما بعد 2020 و ما شهدت تلك الفترة من حراك شعبي و أزمة وباء الكورونا و تبعات ذلك الوباء
فالرواية هي فن زمني بامتياز .
يقول الدكتور فليح الركابي{ الزمن من العناصر المهمة في السرد و هو تقنية في الفضاء الروائي و يتكامل مع المكان في تحديد أطر العمل الفني و يقصد بالزمان وقت وقوع الأحداث في الرواية و مدى مطابقتها لواقع الحال و الزمن متحرك غير ثابت ، مائع لا يمكننا المسك به فهو سرمدي أزلي و تعاقب ابدي }
يتحدث الروائي عن تفاصيل كثيرة ظهرت في المجتمع العراقي بعد التغيير و كيف ان من كان معتقلا ايام النظام السابق أصبح الآن مسؤولا كبير انها لعبة الكراسي الدوارة .
يتجلى الفكر الصوفي في هذه الرواية حيث يقول الروائي و على لسان البطلة { بصراحة كنت أعتقد أن الغاية من الحياة هي ان تكون صاحب أرض و ملك و جاه و حكم ، و لكن بعد ذلك عرفت ان أعلى مستوى في الحياة هو ارضاء الله تعالى فهي الغاية القصوى } ص 224 .
و يتجلى أيضا الصراع الأبدي بين الحق و الباطل و كيف ان الشمس ستشرق مهما امتد الظلام .
ملحمة اجتماعية بكل ما للكلمة من معنى ، يشدد فيها الروائي على ان أصحاب المبادئ لا يتغيرون مهما كانت الظروف و المغريات ، يبقون على مبادئهم و لا يرضخون لحيتان الفساد .
و ان الحب سينتصر و ان العصافير الأسيرة سوف تتحرر و تحلق مرة أخرى .