الحياة البسيطة والعائلة البسيطة التي كانت تسكن في بيوت حسن باشا التي نشأ وترعرع فيها أكرم شكري كان لها الأثر العميق في أعماله حتى بعد أن تحسنت أحواله.. مثل الشناشيل.. الأزقة.. الدرابين الضيقة.. ودجلة ليلا.. بائعة اللبن.. أفراح غجرية.. مسجد الكوفة.. الحيدرخانة.. وسكلة الخشب في الموصل.. الغزالة والقائمة تطول، إلى مائة عمل زيت، رسمتها أنامله منذ 1931 ابتداء من لوحته الموسومة (ضباب لندن).
هنا نتوقف عن تجربته الطويلة كأحد رواد الفن المعاصر في العراق الى جانب فائق حسن، وعطا صبري، والدروبي وجواد سليم وعبو وجميل حمودي وغيرهم، ولد الفنان أكرم شكري عام (1910) في بغداد، درس الفن في انكلترا كأول مبعوث عراقي لدراسة عام 1931، تجربة رائدة إن لم نقل أنها واحدة من أولى المغامرات التي عرفتنا بتقاليد الفن الأوربي تلك الأسس التي حاول الفنان إن يمنحها طابعها المحلي، الرمزي والواقعي..
كان في العقد الثاني من العمر وهو يتطلع بذكائه وفطنته من خلال ما قدمه من رسوم وتخطيطا بإصباغ الباستيل أو الإصباغ المائية، مما لفت انتباه المسؤولين في بداية عمله الفني فسعى آنذاك الشاعر ساطع الحصري لإرساله ببعثة الى انكلترا.. حيث درس الرسم والنحت هناك، وبعد عودته عمل في مديرية الآثار العراقية من عام 1936 حتى 1963 وبعد أربع سنوات أحيل على التقاعد..
وخلال حياة ليست قصيرة (73) عاما كان نشاطه حيويا ومتنوعا على مستوى أساليب الرسم أو العمل الإداري الفني كمدير عام للمعارض، أو على صعيد إقامة المعارض في القاهرة (1947) وبيروت (1948)، وأخر نشاط له بارز على حد ما كتبه الأستاذ المرحوم نزار سليم، هو معرضه الشخصي المقام (1959) الذي ختم فيه حياته الفنية، هذا ماروها نزار سليم في كتابه الفن العراقي المعاصر، ص 54.
الراحل أكرم شكري بدأ من الخلاصات الأسلوبية لأشهر المدارس الحديثة في العالم، في السنوات التي كان فيها عبد القادر الرسام والحاج محمد سليم وعاصم حافظ ومحمد صالح زكي يرسمون الطبيعة والحياة الجامدة بأساليب مدرسية تقليدية، في هذه السنوات المبكرة كان المرحوم أكرم شكري يتطلع الى فن تتمثل فيه خصائص العصر، وبالفعل تبقى لوحاته التنقيطية أو التي تنتمي الى المعالجات الحديثة، التي جاءت نتيجة تعرفه ودراسته للاتجاهات الأوربية الجديدة التي ساهمت في إرساء قواعد النهضة الحضارية الحديثة في الفن.يقول في إحدى حواراته: استطعت أن أحدث تبديلا رئيسيا في أسلوبي بعد سفري إلى المكسيك ثم إلى أمريكا.. آنذاك فكرت بوسيلة لتطوير أسلوبي وكنت معجبا كثيرا بالحركة التشكيلية في المكسيك، لكن التغيير الذي طرأ عليّ كان في الولايات المتحدة الأمريكية متأثرا بالرسام الأمريكي (بولوك). ويضيف: فقد كان الفنان (بولوك) يضع اللوحة أفقيا على الأرض فيما ينزل الصبغ من الفرشاة ومن الكأس عليها، أما أنا فقد أضفت عليها الأساس في الصورة.. ارسم ثم أضيف إليها ذلك الشيء وكان يؤكد من خلال منجزه الفني (إن التنقيطية طريقة الانطباعيين الجدد في الرسم).من أعماله المهمة على صعيده الشخصي أو على مستوى بدايات الحركة التشكيلية في العراق، في إعماله عن آدم وحواء، أو معالجاته الرمزية يتأمل العلاقة بين الإنسان والمجهول، وفي إعماله الأخرى عن الطبيعة والعائلة والمناظر والشناشيل والحياة الجامدة والصور الشخصية، فهو ينقلنا أو يحيلنا الى أسلوب تحليلي يضعنا على تماس مع الذات، تعطيك قوة تعبيرية قل نظيرها من خلال الطابع الانطباعي الذي هو الأسلوب المفضل لديه، ذلك لان الرسم عنده رسالة اجتماعية وليس هواية، كما كان مفهوم الفن آنذاك.. ساهم في تأسيس جماعة أصدقاء الفن عام 1940 ساهم في اغلب معارض جمعية الفنانين العراقيين السنوية شارك في معرض ابن سينا الذي أقيم في بغداد 1956 وأقام معرضاً واحدا في بغداد 1956.. وفي عام 1972 كرم مع زملائه رواد الحركة التشكيلية ضمن مهرجان الواسطي.