عبد الرسول الاسدي
يفتتح أغلب العراقيين صباحاتهم على أنغام أغنيات فيروز وهي تجلجل بالمطر والعطر والتلاقي والوداد لنشم رائحة نسيم الجبال القادمة من الشام الى بغداد ونسجل تاريخا طويلا من الحب الذي توطد بين العراقيين واللبنانيين على مدى الأجيال . ولأن وداد بغداد وبيروت ليس وليد اللحظة بل متنامي وعتيق فقد إستحق من سيدة الصوت العربي أن تغني لبغداد مرتين وهو مالم تفعله مع غيرها من العواصم ربما لأنها تعشق بغداد جدا وتدرك حجم الحب في نفوس العراقيين لبلدها الجميل لبنان .
بالأمس حل رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ضيفا على بغداد في زيارة رسمية تحمل أكثر من معنى وهدف بعيدا عن ذلك المعلن من أنها زيارة تهدف الى تجديد الإتفاق النفطي أو بحث المصالح المشتركة بين البلدين الشقيقين .
فتأريخ العلاقات بين العراق والحبيبة لبنان يمتد الى أبعد من ذلك التأريخ الذي أعلن فيه رسميا قيام الجمهورية اللبنانية في عام 1943الى عملية من التواصل المجتمعي الكبير الى درجة أن الكثير من العائلات اللبنانية من أصول عراقية وبعض العائلات العراقية المعروفة تنحدر من لبنان وهو مؤشر على الإنسجام المجتمعي رغم بعد المسافة الجغرافية .
والملاحظ أن التغيرات السياسية وإنعكاساتها على الساحتين اللبنانية والعراقية تكاد تكون متشابهة أو متقاربة رغم إختلاف الحجم والمساحة والتأثير بين لبنان والعراق وعلى كافة المستويات والأصعدة .
فحقبة حلف بغداد وماتلاها من أحداث أشرت ردات فعل متشابهة بين بيروت وبغداد وإنهاء العهد الملكي في العراق عاشت فيه لبنان ظروفها الخاصة وهكذا تبدو أن الساحتين متقاربتين في الفعل وردة الفعل حتى ليكاد يقال أن المواقف السياسية تجاه القضايا الكبرى كالإحتلال الصهيوني لفلسطين والتدخلات الأجنبية في المنطقة تكاد فيها وجهات النظر أن تكون متطابقة تماما .
وبالعودة الى فيروز فإن أول أغانيها عن بغداد والمسماة دار السلام كانت هدية من
الرئيس اللبناني كميل شمعون الذي كان يعشق العراق ويعتز إعتزازا كبيرا بالملك فيصل الثاني ، وقد جائت بمناسبة تتويج الأخير ملكا على العراق في عام 1954 ولأن العلاقة بين البلدين الشقيقين تتجدد ، فقد غنت لبغداد مرة أخرى بعد عقدين من الزمن : بغداد والشعراء والصور
بين بغداد وبيروت كثير من الهموم المشتركة والقضايا الملحة ووجهات النظر المتشابهة والجبهات المتشابكة مع أعداء الإنسانية والأمة ونحن نرحب بكل أوجه الدعم والشراكة الإقتصادية للعراق مع لبنان الذي يعاني أزمة خانقة بسبب العدوان الصهيوني على غزة ومواقف الدولة اللبنانية المميزة منها .
فألف تحية للقادم من بيروت وهو يحمل معه عطر الإنتماء الى العروبة والإنسانية والموقف التأريخي الأصيل .