كريم هاشم العبودي
اجمل ما في حياة حواء .. هو يوم زفافها على رجل تحبه .. سواء كان حبيبا .. أو من احد اقاربها .. او أبن الجيران الذي عاشت معه قصة حب خالدة .. خلف الزجاج الملون .. لغرفتها .. الرومانسية المعطرة .. بالنرجس والياسمين ..
وغالبا .. ما تواجه حواء .. ذات السؤال التقليدي : ( متى سنفرح بكِ ) ؟ انه سؤال يتكرر على مسامع الشابات العراقيات الغير متزوجات .. وقد يستفز بعضهن، لأن الأمر يعد لهن خط أحمر .. أي شخصي .. اذ هنالك جملة أسباب ذاتية وموضوعية تؤخرهن للإقدام على هذه الخطوة في حياتهن، ليجبن بابتسامة خافتة، من دون الإدلاء بأي تفاصيل، فيما البعض الآخر من الإناث أمسى يُجيب عن السؤال بثقة قائلاً: ( كل شيء قسمة ونصيب ) .. ما يثبت أن الزواج لم يعد أمراً حياتياً محتوماً، بل هو خيار من الخيارات عند الأنثى القادرة على تقرير مصيرها..

لم يعد حالة عابرة !!
يتفاوت سن الزواج في صفوف الفتيات من منطقة لأخرى ضمن الدولة الواحدة ، ومن عصر إلى آخر، لكن التأخر في سن الزواج، أو العزوف عنه في المجتمع العراقي ، لم يعد من الحالات العابرة، بل هو ظاهرة تعكس أسباباً عائدة للفتيات، مثل الاختلاف في التفكير والنظرة إلى مؤسسة الزواج، كما الرغبة في التحصيل العلمي والعملي، أو حتى الخوف من فشل الارتباط ، الذي قد لا يسهل الخلاص منه في بعض الأحيان… وأسباباً متعلقة بالمجتمع والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بالعراق طيلة السنوات التي تلت سقوط النظام السابق ، (غلاء المهور، مثلاً، والهجرة والبطالة وارتفاع تكاليف المعيشة…وغيرها..).

مترتبات التأخر في سن الزواج
«الزواج قرار لا يمكن التدخل فيه من طرف ثالث»، حسب زينب الساعدي ، الاختصاصية الاجتماعية في مستشفي الصدر العام في بغداد «بالتالي، لا يصح تصنيف الزواج بالمتأخر أو المتقدم، لأن هناك اشتراطات يتطلبها، مثل: الظروف المادية والمرونة النفسية للزوجين أي القدرة على التكيف مع تغيرات الظروف الاجتماعية التي تطرأ على المجتمع العراقي ، في غياب الاشتراطات المذكورة، يتأثر قرار الزواج لدى البعض، ولو أن التخطيط والاختيار الجيدين يمكنان الثنائي من الزواج» ..

استقلالية المرأة
عن ارتفاع نسبة العزوبية في المجتمع العراقي حاليا ، توضح الناشطة المدنية ازهار الجنابي .. اسباب ذلك .. قائلة : أن تفكير العامة يتبدل، لا سيما النظرة إلى مؤسسة الزواج، التي لم يعد دخولها غاية وحيدة، بل هناك غايات أخرى، مثل: الرغبة في الاستقلالية، ما يدفع الإناث إلى متابعة دراساتهن، والانخراط في سوق العمل، لتؤسس كل منهن حياة مستقلة وتعتمد على نفسها. لذا، تفضل كثيرات اليوم العزوبية، أو تأخير سن الزواج، حتى يحققن أنفسهن على الصعد الاجتماعية والمادية والمهنية .
وتضيف الجنابي : أن نظرة أفراد عديدين في المجتمع العراقي لمؤسسة الزواج في الوقت الحاضر أصبحت سلبية، وذلك لاعتقاد الإناث والذكور، على السواء، أن الزواج مرادف للمشكلات والخلافات، وهو بمثابة رحلة شاقة تتطلب الكثير من التضحية ، وتلفت إلى أن العزوف عن الزواج، أو تأخير ذلك، قد يرجع أيضاً إلى الأخبار المتواترة عن ارتفاع نسبة الطلاق ، فضلاً عن الخيانات الزوجية، بالإضافة إلى مرور بعض الإناث بعلاقات فاشلة متتالية ، وان الهدف من الزواج اليوم أصبح يتركز على تكوين علاقة سعيدة مع الشريك، والقيام بأمور مشتركة معه، وليس الإنجاب حصراً. لذا، تأخذ نساء عديدات وقتاً طويلاً في التفكير، قبل اختيار شركائهن، سعياً منهن لتأسيس عائلات ناجحة، حسب اعتباراتهن ، مع زيادة عدد العازبات في المجتمع العراقي، الواضح أن هناك من ينظرن إلى الحالة نظرة إيجابية، ويخترن العزوبية طوعاً ، حسب قولها .. التي تثير من جهة ثانية أمر خوف البعض الملحوظ من الارتباط، ومن فكرة مشاركة العيش مع شخص آخر لمدى الحياة، بالإضافة الى الخوف من الإنجاب ومسؤولية تربية الأطفال». وتلفت إلى تأثير الانفتاح في المجتمعات العربية و«السوشيال ميديا» على الرغبة بالعزوبية، فهناك دفق من الآراء التي تعزز فكرة أن المرأة لا تقبل بالحياة التي لا تسعدها، وترفض أموراً كانت ملزمة بها في زمن مضى من أجل الزواج. فرسائل «السوشيال ميديا» تركز على قوة المرأة واستقلاليتها، وعندما تلحظ المرأة أنها قادرة على تحقيق كل الأمور بمفردها، من دون الحاجة الى مساعدة ومساندة الرجل لها، تبتعد عن فكرة الزواج.

تركيبة المجتمع العراقي
وتشير الدكتورة زينب الحاج إلى فكرة مفادها أن «هناك تناقضاً واضحاً في مجتمعاتنا اليوم، التي لا تُشجع على الزواج، بسبب النظرة السلبية إلى هذه المؤسسة، ولو أن شرائح عدة لا تزال تعتبر أن دور المرأة الأساس هو تأسيس عائلة وتربية الأطفال، وتعدّ نجاح المرأة العلمي والعملي «منقوصاً» في حال العزوف عن الزواج وعدم تأسيس عائلة». وتضيف أنه في «المجتمعات العربية، يفوق عدد النساء الرجال، الأمر الذي يعزز خيار الكثيرات بعدم الارتباط، لكن قد يترتب على ذلك في أعوام لاحقة تغير تركيبة المجتمع العراقي .. وارتفاع نسبة الشيخوخة بسبب عدم الإنجاب، على غرار المجتمعات الأوروبية. يتسبب ذلك أيضاً، بمشكلات اجتماعية عدّة، لا سيما إمكانية الانحراف، وكسر القواعد السائدة في مجتمعاتنا العربية لا سيما مجتمعنا العراقي ، فضلاً عن زيادة نسبة الخيانة الزوجية». وتؤكد أنه «على الرغم من كل الأحاديث السلبية عن الزواج، تبقى هذه المؤسسة مهمة ، فالإنسان يسعى بصورة فطرية، إلى الارتباط. صحيح أن العلاقة الزوجية قائمة على التضحية، ولا تخلو من خلافات ومناوشات، لكن لا مناص من العمل على إنجاح هذا الرباط من الطرفين ..

مؤسسة الزواج تتبدل
وتضيف : مرحلة الشباب أمست واضحة المعالم في تطور ونمو الفرد وتكوين شخصيته ، بعبارة أخر سابقاً كنا نعيش مرحلة الطفولة، وهناك مرحلة الطفولة المتأخرة إلى حد ما، تليها مباشرة مرحلة النضج، إذ كان المجتمع يعتبر الزواج بوابة هذا النضج، أما اليوم، فإن الشباب عبارة عن مرحلة سيكولوجية اجتماعية، وليس عمرية، في حياة الفرد، ولهذه المرحلة متطلباتها ومستلزماتها من مقومات العيش.

الثقافة والظرف الاجتماعي
ويفسر الباحث الاجتماعي خالد الكبيسي اسباب تأخر الزواج لدى الفتيات ، اذ قال : يمكن أن يكون نتيجة تاخر زواج بعض الفتيات يعود لعدة أسباب، وتختلف هذه الأسباب من فرد إلى آخر وتعتمد على الثقافة والظروف الاجتماعية والشخصية منها ، التعليم والمهنة ، اذ يمكن أن يكون التركيز على التعليم العالي والحصول على مهنة مستقرة ومستقلة هو أحد العوامل التي تؤدي إلى تأخر الزواج بالنسبة لبعض الفتيات .. كذلك التطور الاجتماعي والثقافي .. حيث تغيرت القيم والتوجهات الاجتماعية، وزاد التركيز على الاستقلالية الشخصية وتحقيق الذات، مما يؤدي إلى تأخر الزواج للفتيات .. فضلا الى ان بعضهن يسعين للاستمتاع بفترة من الحرية الشخصية واستكشاف الحياة قبل الارتباط ، وهناك ايضا مسألة الحالة المادية والقدرة على بناء مستقبل مالي مستقر هي أحد العوامل التي تؤخر الزواج ، اذ ان اغلب النساء يسعين لتحقيق الاستقلالية المالية قبل الارتباط لتحقيق الأمان والاستقرار المالي ، وقد يعزى تأخر الزواج أيضًا إلى توفر العديد من الخيارات البديلة للعلاقات غير الزواجية، مثل العلاقات العاطفية والعمل والأصدقاء المقربين، مما يجعل البعض يؤجلون الزواج.
تذكر أن هذه الأسباب ليست قاعدة ثابتة، وهناك استثناءات وتفسيرات فردية لكل حالة يجب أن تحترم اختيارات الأفراد وظروفهم الشخصية عند التحدث عن تأخر الزواج.