فاخر الداغري
صار موضع اعتماد الوصي عبد الأله وتوفرت قناعة عند الوصي بأن سلامة البلد مرهونة بوجود علي حجازي على رأس الشرطة العامة فصار ذراعه اليمين حيث اعتقد عبد الأله – خطأ – ان علي حجازي هو حجازي فعلاً فأصبحا (( في الهوى سوى)) وقد يكون علي حجازي هو الذي روج هذه المعلومات كجلباب يرتديه ويموه به على الوصي حيث وصفته الصحف التي صدرت ابان تداول خبر انقلابه بأنه حجازي وتسعفني ذاكرتي بأن اخبار انقلاب علي حجازي كانت تصاغ بهالة من الهيبة وعندما اطيح به كثرت السكاكين لتمزيقه.. كانت مراكز الشرطة في انحاء بغداد وجميع المحافظات (الألوية) تجبى (المقسوم) من ولد الخايبة بالاكراه والهراوات وتلفيق التهم بالتوقيف الكيفي وتعذيبهم ليلاً ليصب ( هذا المقسوم) في جيب مدير الشرطة العام الذي كان يصول ويجول بالكيفية التي تجعل جيوبه منتفخة ورغم كل هذه الأهانات التي كان يوجهها علي حجازي للمواطنين حسبه عبد الآله إخلاصاً له واعتبره درعاً من دروعه التي تحمي العرين.
وحين شكل توفيق السويدي وزارته الثالثة في 5 شباط 1950 وأسند وزارة الداخلية الى صالح جبر ونظراً لوجود تنافر بينه وبين مدير الشرطة العام علي حجازي طلب من مجلس الوزراء فصل علي حجازي من الخدمة ونشرت جريدة صوت الأهالي فحوى هذا الخبر في عددها 124 لعام 1950 اعترض عبد الأله على هذا الاجراء وطلب نقله الى احدى متصرفيات الألوية فصدر امره متصرفاً ( محافظاً) الى لواء السليمانية فقرر القيام بحركة ترغم الوزارة على الاستقالة بدون ان يرفض علنا المنصب الجديد غير الراغب فيه وبعد ان، شرب كمية وفيرة من الكحول وشع ضوء سناها بين اعماقه وترنح قليلاً على انغام (( يامن لعبت به شمول)). خرج بعد منتصف الليل من ليلة الاحد 1 شباط 1950 الى مكتبه في مديرية الشرطة العامة واتصل بجميع
المراكز وابلغها بحالة انذار كما اتصل بقوة الشرطة الآلية وأبلغها بأن تكون على استعداد للهيمنة على المرافق المهمة للحكومة وبعد ان استكمل جميع اجراءاته للسيطرة والهيمنة اتصل برئيس الوزراء توفيق السويدي هاتفياً مخبراً أياه بالوضع الجديد قائلاً له:
(( كيف انت صابر وساكت : هذه الوزارة ضد الشعب والناس غير مرتاحين بها… الوزراء كلهم بورتسموثية نصها من اتباع صالح جبر))
فرد السويدي عليه: ويعني ماذا اعمل الآن !! فهمني ياباشا))
قال علي حجازي (( قدم استقالتك وأنا اوجه الشرطة جميعهم في الحال للسيطرة على دواوين الحكومة واحتلها)).
قال السويدي: (( لا بكرة صباحاً أقدم استقالتي !
أنا ايضاَ ماراضي من هذه الحالة))
بعد انتهاء المكالمة الهاتفية مع السويدي: اتصل علي حجازي مدير الشرطة العام بأمرية شرطة السيارة لاحتلال الأذاعة ودوائر البرق والبريد والهاتف وتهيأ للسيطرة على بغداد قبل حلول الصباح الباكر ثم اتصل بمدراء شرطة الألوية وأبلغهم بالأستيلاءعلى الدوائر المهمة هناك وحسب توجيهاته.
كان السويدي على علم بتحركات علي حجازي لكنه ظل مسترسلاً معه من باب الأيهام بالاستجابة لما يريد ثم اتصل بالوصي ليلاً واخبره بعزم علي حجازي القيام بانقلاب قبل ان يتصل به احد قبله في قصر الرحاب.
بعد ذلك اتصل علي حجازي بالوصي واخبره ان هذه الوزارة جاءت خلافاً لرغبات الشعب .
فقال له الوصي : هل اخبرت رئيس الوزراء بما تنوي ؟
فقال له نعم.
فقال الوصي (( طيب الصبح نجتمع هنا ونبحث الموضوع وأغلق الهاتف بالوقت نفسه ارسل الوصي مرافقه الخاص العقيد عبيد عبدالله المضايفي الى مديرية الشرطة العامة لاستطلاع الوضع ومعالجة الموقف.
دخلا لمضايفي على مدير الشرطة العام والبشاشة تملأ وجهه قائلاً له: (( شنو هاي ياباشا؟ ما افتهمنه؟))
فقال حجازي (( يا أخي حمضت.. الوزارة بورتوسموثمية ونصفها من جماعة صالح جبر)).
وجرى بينهم حوار هاديء كان المضايفي فيه يظهر الود والبشاشة لاتفارق وجهه واستطاع ان يستدرجه ويؤمن علاقته بالوصي مؤكداً له(( وقبل مايصير شيء أنت احفظ جانب سرنا لجنبك حتى تقدر توجهه زين))
وقال علي حجازي (( إمش نروح عند سيدنا))
وأركبه معه في سيارته ودخلا هو قصر الرحاب الساعة الرابعة صباحاً.
كان الوصي بانتظارهما حيث دار بينه وبين الوصي حواراً اقتنع علي حجازي بكل ماقاله الوصي وكانت لغة الخطاب فيه هي لغة الغمز واللمز التي لم يجد فيها حجازي رداً على الوصي الا جملة (( الناس امتعظوا من هذه التشكيلة))
فرد عليه الوصي : (( أنا اعرف كيف اعالج الموقف. هذا موشغلك انت مدير شرطة واجبك الحفاظ على الامن لا اعلان العصيان)).
فتخاذل حجازي وقال: لا سيدنا أنا ما اعلنت العصيان)) وقد لاحظ أحد المرافقين غضب وضيق الوصي فتقدم من اللواء حجازي وحياه وقال له تفضل سيدي معي فأخذه الى حيث اعتقاله بقية تلك الليلة الليلاء.
في13/ 2/ 1950 أحيل علي حجازي الى محكمة الخبراء المختصة وحوكم وفق المادتين (80و81) من قانون العقوبات حيث تنص الأولى على الاعدام وتنص الثانية على الاشغال الشاقة والحبس لمدة لاتزيد على خمس عشرة سنة.وفي 9 نيسان 1950 حكمت محكمة للخبراء الكبرى عليه بالاشغال الشاقة المؤبدة.
استؤنف القرار وتم تمييزه وأعيد ثانية للمحاكمة في 17 حزيران 1950 فخفض الحكمم لثلاث سنوات
وحين الف نوري السعيد وزارته الحادية عشرة في 16 ايلول 1950 استصدر ارادة ملكية باعفاء علي حجازي مما تبقى من محكوميته وكان قد امضى منها ثمانية اشهر