خالد وحيد شلال/كاتب و صحفي
مهندس زراعي
اضرحة الورد مجموعة شعرية في رثاء والدي الشاعر المهندس وحيد شلال اصدرتها اختي الشاعرة وجدان وحيد شلال,تضمنت هذه المجموعة عدة قصائد استذكرت بها الشاعرة والدنا الذي رحل عنا منذ اكثر من ثلاثة اعوام,من بينها قصيدة(حكايات على ضوء قنديل)رثت بها الشاعرة كما صرحت به(امسيات ابي)، لقد اعادتني تلك القصيدة الى تلك الامسيات الجميلة التي كنا نجلس فيها بقرب ابي او حوله حيث كان انقطاع التيار الكهربائي يبدأ منذ المساء ليمتد طوال الليل حتى صباح اليوم التالي(وهو اجراء عمد اليه النظام السابق خلال حرب الثمانية اعوام مع ايران,لتظليل طياري سلاح الجو الايراني)، فكان ابي يروي لنا خلال تلك الامسيات الخافتة الضوء حكاياته التي كنا نظنها جزءا من حياته كما كنا نظن ان شخوصها ((كالاسكندر المقدوني ونبوخذ نصر وعشتار وتموز والمتنبي والملك الظليل(هكذا كان يمسي الشاعر امرؤ القيس) والغلام القتيل(هكذا كان يسمي الشاعر طرفة بن العبد) وغيرهم الكثيرين)) كانت قريبة منه كأن يكون عاصرها في مرحلة ما من حياته,اوقد يكون رافقها في حلها وترحالها في شتى ضروب حياتها بمسراتها واحزانها وبتفاصيلها الكثيرة، لكن البطل الاسمى لهذه الحكايات جميعا كان الاسكندر المقدوني، فجسدت الشاعرة وجدان وحيد شلال تلك الامسيات خير تجسيد في قصيدتها هذه,فهي تتحدث عن تلك الامسيات بعيني طفلة كانت (كما كان كاتب هذه السطور) تتراءى امامها تلك الصوروالاخيلة التي تبعثها بمخيلتها تلك الحكايات على ضوء خافت وسكون حذر فرضتهما ضروف الحرب,فلم يكن يبدد سكون تلك الامسيات سوى صوت والدي رحمه الله وهو يروي لنا حكاياته, فلم تكن (الشاعرة) ترى تلك الصور والاخيلة الا من خلال شعاع ذلك الضوء الباهت الذي كان ينشره حولها قنديل ذلك المساء البعيد فهي تقول واصفة تلك الامسيات:
(حين دارت رحى الحرب
والتهبت جمرة الطعن والضرب
خفقت رايات الظلام
كنت طفلة الهو بالوان النسيم
وكان ابي
الذي لا يشبهه احدا
له خلق
لو مزج البحر به
لنفى ملوحته
عندما تقبل عساكر الليل
يجلس على بساط الورد
يبدد خوفنا
بحكاياته
على ضوء قنديل عتيق
في عتمة
الليل
كانت توقده امي
وقد عقد جسرا لنا
الى بطون كتبه
في حلها وزخرفها
كنا نلتف حوله
وقد ابدل خوفنا
بمركب فرح
يرسم السحب فوق رؤوسنا
لتمطر لنا
اسرار الازهار
امجاد الاولين والاخرين
وينشر
بصوته العذب
اجنحة الطواويس
نحلق بها
في حكاياته).
**
ثم تتحدث الشاعرة بعد ذلك عن شخصية تاريخية اختلطت الحكايات التي تحدثت عنها ما بين الاسطورة والواقع والخيال,وكثر الجدل حولها ما بين كونها شخصية واحدة تناولتها كتب التاريخ,وما بين كونها شخصيتين مختلفتين تحدث عنهما القرآن الكريم وكتب التاريخ، تلك هي شخصية الاسكندر المقدوني كما وردت تسميتها في كتب التاريخ وذو القرنين كما وردت تسميتها في القرآن الكريم. وقد شغلت حكايات الاسكندر المقدوني مساحة كبيرة من تلك الامسيات الشتوية الطويلة، وتصف الشاعرة وجدان وحيد شلال بطل هذه الحكايات(الاسكندر المقدوني) قائلة:
(كان من بين زوار أبي
بطل ُ
يهز الرواسي
ويصدع الحجر القاسي
كادت الارض تسير مع خيوله
من بلد بعيد
على اطراف بلاده
تشمخ هامات الزيتون
بأرض كالقوارير
تلمع شمسها
بأجنحة الطير
تغري فتيانها
بالمدن الفاضلة
على شرط عناق المجد
حتى صار الموت
خطابها
اسكرتهم اذكار المنتصرين).
**
وبعد ان تصف الشاعرة بطل تلك الحكايات(الاسكندرالمقدوني)وتصف المكان الذي جاء منه محررا لبلاد الرافدين من نير الاحتلال الفارسي، تصف بلاده البعيدة التي جاء منها,كاشجار زيتونها وارضها التي تشبه القوارير وشمسها وطيورها ومدنها التي وصفتها بالفاضلة,ثم تعمد للتصريح بعد كل هذا الوصف بقدوم هذا البطل قائلة( اقبل {البطل المقدوني}).ثم تصف جمال بلادها(وادي الرافدين) بنسائها وجمال طبيعتها وشخوص اساطيرها:
(اقبل {البطل المقدوني})
الى بقعة ضوء من بلادي
كأنها مسروقة من الجنة
تسقى الزهو سقيا الغمام
اهل ود
موارد الشموخ
بطلها تموز
وملكتها عشتار
ليس للبلابل كخمر بابل
اشجارها كالعذارى
يسرحن الضفائر
وكأن بها من السحر
يهابها الدهر
حكايات ابي تنشر الضوء
في افق خيالنا).
**
وبعد ان انتهت الشاعرة من وصفها لامسيات الحكايات وبطلها الاسطوري القادم من بلاد بعيدة.،تتحدث الشاعرة عن الحدث المجلجل المدوي,عن الحدث الحزين وهو موت راوي تلك الحكايات لكنها تحاول ان تجعل زمن موته نسبيا غير بعيد عن عصر الاسكندر،فهي تصرح اولا بموت الاسكندر ثم تصرح بعد ذلك بشكل مباشر بموت راوي تلك الحكايات,وكأنها لا تريد ان تقر بأن زمن موتيهما مختلفين وان هنالك عصور طويلة تفصل بين الحدثين,وكأنها ايضا تريد ان تخبرنا بأن راوي تلك الحكايات مات بعد موت بطل حكاياته الاسطوري بوقت قصير,بل انني اخالها تريد ان تصرح بأنه(راوي الحكايات) قد مات حزنا على بطله الذي شغلت سيرته وبطولاته اكثر امسيات تلك الحكايات:
(ومات الاسكندر
ثم مات ابي)
*
وتتحدث الشاعرة بعد ذلك عن حالة الحزن والسوداوية التي تركها فيها موت والدها راوي تلك الحكايات:
(ومات الاسكندر
ثم مات ابي
ترك كتبه جرحى
قد صافحتها المنايا السود
ظل الليل عابسا
وطرز الشيب الحكايا
عجبت للجبال لم تنهد لفقده
عندما فاضت روحه
كسفت شمس القوافي
وغادر المطر مدن الضوء).
*
لقد نجحت الشاعرة في ان تجعل القاريء يشعر بأن قصيدتها هذه ليست قصيدة رثاء فحسب بل انها بكائية قلب حزين يقطرحزنا والما ويستنشق عبق حكايات تلك الامسيات وضوء قناديلها الخافت بشوق تدميه الرحلة الاخيرة لراوي تلك الحكايات.