عبد الرسول الاسدي
كتبوا كثيرا عن وجعنا..فرحنا الهابط من فناء القلب ورياض الضمير لكنهم لم يكتبوا عن مجتمعات الجمال والمحبة المزروعة بين البيوتات والتي تطل عليها شرفات الفتنا وعناوين النقاء.
تقول إحدى الزميلات الكاتبات من أصدقاء المؤسسة في رسالة طويلة أرسلتها لي على هامش زيارتها الى الوطن: ( عشقت كل شيء جميل في العراق وفي مقدمتها الناس واعجبتني تلك الأزقة التي تشعر فيها أن الكل متحابين كأنهم شخص واحد منسجمون كما لحظة الخلق الأولى )
لكنها تعتب كثيرا على أن الحديث عن الأوجاع يفوق المثاليات التي تفوق الوصف ونعيشها دون أن نشعر بها.ولا أدري لماذا إتجهت ذاكرتي صوب أعمال عربية تغنى فيها الكتاب بحواريهم وأزقتهم كما لم نفعل يوما.فلم تكن أولاد حارتنا أول روايات نجيب محفوظ التي يتحدث فيها عن عالم الزقاق بكل تفاصيله ، بل سبقتها زقاق المدق وخان الخليلي في حقبة الأربعينيات والثلاثية في حقبة الخمسينيات ، تلتها بعد ذلك حكايات حارتنا والحرافيش وغيرها من الروايات في حقبة السبعينات والثمانينات .
إن شخصيات هذه الروايات هي شخصيات شعبية تستمد وجودها من عالم الزقاق الذي ترعرعت فيه وتنفست عبقه ، وليس زقاق المدق وبين القصرين وقصر الشوق والسكرية الا أزقة من أحياء القاهرة كانت تنبض بالحياة في تلك السنوات التي خلت وقبل التغييرات التي فرضتها حضارة العصر وما رافقها من كثافة سكانية وعمران امتد بمساحات عمودية وأفقية ، فلم يعد للزقاق بمفهومه التقليدي الأثر الذي يمكن أن نستدل عليه ، فقد اختفى من حياتنا سواء في مصر أو في العراق أو في أقطار عربية أخرى واختفت معه قيم وتقاليد كانت لها أصالتها وجذورها في أجيال سابقة .
إن عالم الزقاق ممتع حقا ، خاصة لمن عايشه شخصيا في طفولته وصباه وشبابه .
وما يجري في أزقتنا وشوارعنا اليوم يمثل منهاج حياة تزدحم بالتحديات الكونية التي جاءت بها الأديان السماوية لتكون المنقذ من إرادة الشر والعدوان وتدفع صوب التكافل والتكامل والتعايش الأمثل بوعي وطمأنينة ومسؤولية.
الناظر الى محطات حياتنا اليومية المبهجة سيبصر تلاوين شتى تستحق الفخر