ا.د جهاد كاظم العكيلي
قررت أن أضع شرف المهنة فوق كل الإعتبارات، وأجرد نفسي من حُب الذات والملذات مُفضلا العمل للصالح العام، وأن أقوم مثلما قام به الجنوب افريقي (نلسون مانديلا) الذي حرر بلاده، من النظام الفصل العنصري ، وإستطاع بناء الانسان وحقق الديمقراطية وأقام العدل!..
وقررت أيضا أن أحمل بعض صفات الزعيم الهندي (المهاتما غاندي)، ألذي استطاع تحرير بلاده من الإستعمار البريطاني، رغم أن عدوه هذا كان يمتلك كل وسائل الدمار، ثم شَرع هذا (المهاتما)، بإرساء قواعد الأمن والإستقرار وتحقيق السلام بين شعوب بلاده المُتعددة الأعراق والطوائف والأديان!.. لاصلاح الوضع العام في بلدي واجعل منه بحبوحة بعيش فيها العراقيون بخير وامن وسلام،
وعليه سارعت بالتوجه نحو رئاسة البرلمان، وقدَّمت لهم جملة من المشاريع الإصلاحية المهمة، وطلبت من السادة النواب التوقيع عليها لدرجها في (فاتورة) النقاش كونها تمثل آمال الشعب وتطلعاته نحو بناء حياة حرة كريمة، وكان من أهم مشاريعي، أن لا تكون الوزارات مملوكة بيد الأحزاب والمتنفذين، وسحب كل سندات الملكية التي حاز عليها الأشخاص المتنفذين الكبير منهم والصغير، وأن يكون الشعب هو المالك الحقيقي لها وللوزارات مع حفظ الحقوق بشرط أن تجري بمصادقة القضاء وإشرافه!..
والحمد لله فقد نجحت بتمرير هذا المشروع الذي حاز على أغلببة ساحقة من قبل زملائي في البرلمان، وقد لاحظت بعض البرلمانيين هم ايضا تجردوا عن ذاتهم ومصالحهم لخدمة الشعب، وأنا أننتظر الآن القضاء للبت فيه!..
وهذه هي الخطوة الإولى التي أفرحتني كثيرا، حتى إني تشجعت أكثر، ورحت أغوص في تفكير عميق، لتعزيز ميزانية الدولة بأموال كثيرة حين تتم السيطرة على واردات المؤسسات الحكومية غير المنظورة، وهي توزاي ورادات النفط التي يأكل منها الفاسدون او من يمثلهم بطرق ملتوية منها التحايل على القانون!..
وحالفني الحظ، فتقدَّمت للبرلمان بمشروع قرار اخر، ومفاده تأميم الكهرباء وعودة ملكيتها للشعب، ورفع ملف التأميم هذا إلى الأمم المتحدة، للبت فيه بعد اخذ موافقة أمريكا وبريطانيا ودول الجوار!..
وكم كنت مسرورا، أنا وكل الشعب، ونحن نشاهد بالعيون ونسمع بملء الأذان عبر الفضائيات، ونقرا ما تتداوله وسائل التواصل الإجتماعي وملحقاتها، وهي تُشيد ببرلمان الشعب وبجهود نوابه وهم، يواصلون الليل بالنهار حتى تمكنوا من إقرار المشاريع التي تقدَّمت بها للبرلمان،
وقد ساد شعورا بين الشعب، بأنهم سيمتلكون كل شيء ومنها إمتلاكهم لموارد الدولة التي سيتم توظيفها لخدمتهم، وحينها كنت أشاهد الكثير من زملائي في البرلمان وهم، يندفعون بقوة لإقرار مشاريع اخرى وليحذو بذلك حذوي في توجهاتي، حتى وصل الحال بأعضاء البرلمان أن يشتبكوا بالأيدي ويتقاذفون بالسب والشتم من إجل أن تقبل رئاسة البرلمان مشاريعهم الإصلاحية الهادفة لخدمة الشعب والوطن، حتى أنه في أحد (المعارك البرلمانية) أصبت بجرح في فكي الأيسر بسبب دعوتي لتبني (مشىروع المصالحة) الخاص بفك (العراك)، لكن عشيرتي رفضت ذلك بشدة بسبب طمعها في الحصول على (فصل عشائري) من البرلمان، فرفضت ذلك لأن منهجي ينسجم مع منهج (نيلسون مانديلا) و(المهاتما غاندي) في منهجهم الاجتماعي وخطاهما الإصلاحية لضمان حقوق الناس وتحقيق العدالة الإجتماعية، لكني فرحت كثيرا حين تخلى نواب الشعب حفظهم الله عن المواكب والحراسات وأخذوا يركبون الدراجات الهوائية على غرار ما يقوم به رئيس وزراء كندا، وكفوا عن التغلغل في الوزارات وعدم التدخل في تنفيذ المشاريع التي يشوبها صفقات فساد إداري ومالي! ..
والحمد الله على ما قمت به من خطوات تحويل ملكية الوزارات إلى الشعب، وهذه كانت بمثابة الخطوة الأولى التي أيقظت شعور السادة النواب، بل إندفع بعض النواب بالتنازل عن الكثير من املاكهم من اراضي ومولات ومحطات بترول وأرصدة في البنوك إلى الدولة، وحمدت الله مرة اخرى، عندها رأيت المسؤول الفلاني متاثرا بشخصية (غاندي) ويعمل مثل ما عمله لشعيه المتكون من مئات الطوائف والأعراق منضوين تحب شعار واحد ألا وهو، (حُب الوطن)!..
كل هذا حدث عندما تخليت عن ذاتي، وشغلت نفسي بمصلحة الوطن وشعب الوطن، حينها لفت إنتبهاي سؤال مُحير ألا وهو، من سَبق من؟ في تطبيق قوله تعالى : (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، هل هو، السجين (نيلسون مانديلا) .. و(والمهاتما غاندي) .. أم أنا وزملائي البرلمانيين مع ملاحظة الفارق في الزمن! ..
وبينما كنت أحاول الإجابة، أيقضني مُنبه وصوت محرك سيارة جمع النفايات التي تجوب شارعنا مع إشراقة كل صباح، فقفزت من فراشي مُسرعا حاملا كيس النفايات وناولته إلى عامل النظافة مع الـ (بخشيش)، وشعرت أن كل مشاريع إصلاحاتي ذهبت مع يقظتي، وكم تمنيت أن اعود إلى النوم من جديد، لأعيش بحلم آخر لعلي أجد طريقا آخر لإكمال مشاريع إصلاحاتي البرلمانبة خدمة لشعب الوطن!..