بقلم /لطيف عبد سالم
في قصتها القصيرة جدًا التي جاءت بعنوان «جريمة»، والتي نصها: « تعود منذ طفولتهِ على قراءة روايات أجاثا كريستي، وفي أحد الأيام تاهَ في غياهب الرواية نفذَّ الجريمة!!»، تكشف الكاتبة سعاد محمد الناصر بإيحاءٍ ودلالة تعبيرية عن أثرِ القراءة في السلوكِ البشريِّ؛ تعبيرًا عن تفاعلِ المُتلقي مع الكتاب – سلبًا أو إيجابًا – واستجابتهِ العاطفيَّة لأنماطِ الكتابة التي يواظب عليها.
من نافلةِ القول إنَّ القراءةَ بمختلفِ أشكالها تُعَدُّ بوصفها غذاءٌ للروحِ وتحفيزٌ للعقل، إلا أنَّ ما يثير الاهتمام في هذا السياق هو تأكيد المتخصصين أنَّ قراءةَ الروايات لكٌتابٍ من خلفياتٍ وانتماءات متعددة توسع نطاق الرؤية والفهم والاستيعاب وحتى لفهم ذواتنا في المقام الاول، فضلًا عن إشارتهم أيضًا إلى أنَّ قراءة الروايات تفضي إلى رفعِ أهم عناصر الذكاء العاطفي لدى القراء وهو: ”الشعور بالتعاطف مع الآخرين“. كذلك أفادت النتائج المتحصلة من أحد البحُوث الأكاديميَّة بأنَّ قراءةَ الروايات والقصص الخيالية تنشط مسارات الخلايا العصبية في الدماغ، مما يساعد على تحسينِ قدرات الذكاء العاطفي. ولعلَّ ما ذكر آنفًا من رؤى أصحاب الشأن والاختصاص يدخل في ثيمةِ القصة القصيرة جدًا موضوع بحثنا، ومصداقًا لما تقدم أسرني أحد الزملاء مِن أنَّهُ شعر باكتئابٍ لمدةِ ثلاثة أيام في أعقابِ قراءته رواية صادمة!.
قدمت لنا الكاتبةِ سعاد محمد الناصر هُنا نصًا مكثفًا، منشطًا للخيال، ومحفزًا للإبداع، فضلًا عن كونه يجمع ما بين عمق المعنى، والسلاسة في الصياغةِ، في محاولة لجعل المُتلقي يعيش صدمة مَن أدمنَ قراءة الروايات البوليسيَّة في وضعٍ نفسيٍّ مضطرب، والتي ربما تفضي به إلى الإقدامِ على ارتكابِ أفعالٍ مسيئة للإنسانيَّة قد تصل إلى مستوى الجريمة؛ بسببِ طبيعة الحالة النفسية المتأتية من التماهي مع أبطالِ الرواية، وما تنطوي مشاهدها من الصورِ السلبية التي تحمل أفكارًا سوداوية، أو عدائيَّة، أو تقود إلى التطرف.
كذلك تقترن بالأفكار التي قد يقدمها بعض الكتاب في قالب من النصائح الدينية، أو التنمية البشرية، كأن تقتل أحدهم لأنه يفعل شيئًا لا يعجبك، أو أن تتنمر على زميلك في الدراسة لمجرد كونه خجولًا في الصف. أباركُ للكاتبةِ سعاد محمد الناصر جهدها المتمثل بنمطٍ جديد من الكتابةِ القصصيَّة، وأشدّ على يدها حتّى تواصل مشوارها الأدبيّ متمنياً لها المزيد من الإبداع…