بقلم الدكتور حمزه علاوي مسربت .العراق.
إرحلْ
لملم بقاياك ومارس الغروب
وأتركني وطنا آمنا
فبعدك لن يموت الياسمين
ولن تخاصم الأرض المطر
حلمٌ لا شرعية له
هذا كل ما جمعني فيك
لذاسأبتر أطراف أصابعي التي لامستك
وأنسج من خيبتي أغنية
لن أبكي على أنقاض الحلم
ولن أجوب الشوارع لترويض ذاتي على نسيانك
سأُصالح الشمس التي إستبدلتها فيك
أرقص على قوس قزح
وأرتكب شتى الحماقات
إرحل بعيدا
وأبحث عن شفاه جافة لا خصوبة فيها
عن إسم إمرأة
لاكتْ بها الخيبات حتى فارقت الفرح
إمضي رجلا ضالا
وأتركني أُنثى
تصاحبني النوارس وموجات النهر

تبدأ القصيدة بأمر إنفعالي ، أخذ مساحة مترائية تشغل ذهن القارىء. تطرح القصيدة عدة قراءات لصور تجول في مخيلة المتلقي وتصورات تكسر أفق التوقعات ، فتسرح فيها العلل ، حيث الفورة الماكثة بين طيات صدرها ، تحملت ، جزعت من مدها الفكري له ، والغموض الذي يشوب صورته ، فجاءت الكلمة الحبلى بالانفعال ، قذفتها شفاة ملت من الكلام . تخاطبه وتدبر عنه، وتطلب ان يلملم بقايا الكلام المعسول الذي اعتصرته مسامعها ، وغضت الطرف عنه : انه الماضي الذي لم يعد له وليد في عالمها الحاضر ، في وجودها القادم ، فارادت منه تغريب ذاته ، ويتركها جسدا وفكرا حرا خاليا من الآهات والاوجاع ، انه اغترابها الذاتي ، واعتزالها العشقي ، ولم يعد له ميسما على خارطة وجودها . اتخذت الشاعرة من الغروب تحولا زمنيا ، ما بين المرئي واللامرئي ، وهذا ما يعطي النص ايقاعا استهلاليا للنص و للمتلقي .تستخدم الشاعرة تكرار اداة النفي ، وهذا ما يعطي تحولا من ماض ، حاضر الى مستقبل ، كي يحفل النص بحركة دائبة تعكس بعدا دراماتيكيا . أكدت الشاعرة على العلاقة الثنائية بين العالم السماوي والعالم الدنيوي : علاقة الارض والمطر والتي تجسد دلالة الحياة وديمومتها . اتخذت من الياسمين رمزا دلاليا يعبر الطهر ، البراءة والحب الصادق ، فبعده لن يجدب الياسمين مادام الغيث موجودا . اصبح العشق حلما لا شرعية له بعد نقض العهد معها وفقدان المصداقية . بات الحلم الذي جمعهما في صفحة الغياب ، لذلك عملت الشاعرة على الانزياح الحسي -الملامسة – ، والتأكيد على قطع الوصال . تستخدم الشاعرة لفظة -خيبتي – كناية عن الفشل والاحباط ، وتواصل مد النفي ، الذي يحمل دلالة جديدة – عدم الندم – على بقايا الحب . تعمل الشاعرة على اخفاء ما في الذاكرة من ذكريات . ترفض ان تجد متنفسا ذاتيا يكبح مشاعرها ، وينسيها ماكان ماضيا ولا يكون حاضرا ومستقبلا ؛ غياب الرؤية البصرية ، والصورية الذهنية ، وحسم ارتحال ذاتها دون الاخر . توظف لفظة – الشمس- كصورة مجازية تحمل دلالة الدفء ونور العين والجمال ؛ هناك رحيل الآخر وعودتها الى تفعيل مخيلتها وتحررها من حدوده . ادركت فناء الهوى ، وبناء ذاتها من جديد :انه الوعي الوجداني .تتخذ الشاعرة من قوس قزح دلالة رمزية ترمز الى السلام والفرح ، وكسر مسارها الحاضر وولادة مسار جديد ؛ فهو شرارة أمل وتشجيع على اتخاذ الحسم . ترقص ويمنحها الرقص نشوة الحياة ، تسرح روحيا ،جسديا ، تذوب ذاتها مع ايقاعات رقصها ..تفك اسرها من القيود ..تعلن حريتها ..تتجاوز الحدود التي حددها الآخر .. تتسابق حركاتها مع لهثاتها في غمرة عميقة ،ثم تسيقظ من سبات غفوة آنية ، وتشعر بوجودها بعد ان تحطمت اصفادها النفسية . تعاود وتكرر لفظة – إرحل – كي تركز على فكرة النص ، وتجعل المتلقي ينبسط على هذه الايقاعات اللفظية ويتفاعل معها . ترغب الشاعرة في اعتصار كل ماكان في قلبها من حب وتقذفه كرماد يتطاير مع ادراج الريح ؛ انه الاشمئزاز النفسي الذي سببه الآخر لها ، والطاقة السلبية التي اختمرت في عقلها الباطن . يحتوي خطابها على امر انفعالي مصحوبا بهياج حسي اشبه بالهستري ، ومن خلاله استخدمت الكناية -شفاة جافة – الجفاء ، ظمأ الكلام وتصحره . ناغته بالبحث عن امرأة مضغتها الخيبات من الآخر ، تاهت بين الغزل والوعد ، بين الفرح والدجل ، وعليه فقد فارقت الفرح ؛ وهذا يدل على صلابة فكرالشاعرة وقراءة الآخر .استخدمت الشاعرة الترادف اللفظي ما بين رجلا ضالا ، فاقدا بوصلة السير ، خاسرا كل شيء بعد ان اعمته بصيرته ، ولم يولي الاصغاء للآخر ، وبين امرأة تمتلك الجرأة والقراءة العاطفية ، وغربلة الآخر كي تقع على سجاياه وخباياه ، المستوره والمكشوفة . اختتمت القصيدة بين ثابت – اتركني ومتغير -امضي ، هذان الترادف والتضاد يعملان على انسيابية النص والانفتاح على قراءة المتلقي ، فضلا عن تناغم اللغة الصوتية لطير النورس ، وصوت موجات النهر ، وهذا ما يمنح المتلقي نوعا من الاستجابة للنص .