نــــائلــــة عبيــــــد
بأيّ حال عدت أيّها العيد؟!
لا فرح يطرق بابي اليوم ..يبدو صباحي صدئا ..لا اقدام تعدو او خطوات ترنّ ..لم أسمع هرج الأطفال وضحكاتهم..كانوا يملؤون وفي كلّ عيد الشّارع جيئة وذهابا وصخبا.. كان ذلك الوضع يقلقني فقد تعودت على الهدوء التام سائر الأيّام …كم اشتهي صخبهم اللّحظة ..واجم يومي ،موغل في الصّمت … هذا العيد كلّ شيء فيه غريب ..لا الجارات اعددن اطباق الحلويّات كعادتهن ولا رائحة الشّواء فاحت وعانقت الأنوف …منتصف النّهار والنّصف ولا صوت تسمعه…قطّي يغطّ في نوم عميق فكانّ امرنا لا يعنيه وابنائي بملابس البيت يحاولون نقش الفرح على وجوه واجمة…ما اتعس عيدنا ونحن بعيدون عن الأهل والأحبّة ششذ..لن اقبل امّي وابي ..لن احضنهما طويلا بعد غياب تجاوز الشّهرين ولن استفزّهما كعادتي لنغرق بعدها في قهقهات عالية تحسدنا عليها الجارات…امي هناك وقد بدأت بفعل المرض تنسى من نكون وابي،يحاول وكعادته دوما ان يبعث فينا الامل..حين اتصل به كنت اأبثّه قلقي وخوفي من ان لا التقيهما ثانية وان لا اودّعهما الوداع الاخير ،كان يردّ : «وماذا يعني إن فارقنا ؟! ماذا تنتظرين من شيخين تجاوزا العقد الثامن؟! هل تودّين أن نأخذ وقتنا ووقت عيرنا؟! اهتمي بنفسك وباولادك الباقي تفاصيل واللعبة اكبر مما تتوقعين’ كنت اغلق الخط واسترسل في بكاء مرير …امّي ستنسى اسمي مع هذا الغياب ..هي حتما تحتاجني …وأبي حزين لكنّه وكما عودني لا يحب ان انشغل او اقلق..فانا طفلته المدلّلة وقلبه النّابض.. ما اتعسني !
اريد خلق جلبة في البيت …انتظر قدوم حفيدتي هذا إن سمحوا لهم بالمرور…فقد اعلنوا عن منع الجولان ..كم لعينة هذه «الكورونا ! «…لقد قتلت فينا كلّ شيء …لا زيارات..لا قبل… لا احضان…قتلت فينا كلّ نبض…لن اقطف الفرح من عناقيد الصّبح الواقفة عند نافذتي…لن احضن زميلاتي بالمدرسة…..سنلتقي وكمامات القهر تغطّي مباسمتا …سيكون الجال المعقّم في كلّ ركن وعلى الطّاولات ..لن تتلاصق الاجساد سنحرص على الجلوس متباعدين ونحن نحاول ان نكمل سجلات التلاميذ وتراتيب العودة المدرسية التي ستكون وعلى غير عادتها في غرّة سبتمبر القادم . ..ابدو عاجزة تماما ومشلولة الرّوح والجسد…يتّصل بي الاولياء والتلاميذ . «اشتقنا إليك سيدتي …توحّشنا المدرسة «فأردّ «هانت ،سنلتقي المهم كونوا بخير» كنت اكذب..لن نكون بخير..سنعود بلا روح ..سنكون فقط هياكل تسري على وحه الأرض وسيواصل صوت نصاف بن علية الزنّ على أذنيّ « لا مصافحة.. لا احضان…لا قُبل…لا جلوس قرب بعضكم البعض ..لا بحر ..االبسوا الكمامات . افركوا جيّدا ايديكم».. كم صرت اكرهك يا امرأة…ماذا أبقيت فينا؟! قتلت كلّ احاسيسنا …صرنا أمواتا في صور احياء …
يفتح قطّي عينا واحدة…وكانّة يطمئن على وضع البيت…يتمطّط قليلا ثم يدفن رأسه من جديد بين يديه ويعود لنوم عميق .حتّى القطيط يقلقه ما يحدث…
الوقت يمرّ ثقيلا وعقارب السّاعة تبدو مبلّلة …البيت صامت..الشّارع واجم وانا مرميّة على اريكة باردة احاول ممازحة عيد لا يقف عند بابي….