عبد الرسول الاسدي
قد يستغل الآخرون سقطاتك وكبواتك في دروب الحياة الموعرة بينما المتألقون فقط هم من يحيلون تلك الإنعطافات الى بدايات جديدة نشهق فيها ونتسامى فوق التفاصيل المزعجة التي تحيط بنا وتبدد أمنياتنا .
يحكى أن بداية تصوف إبن عربي كانت رؤيا لازمته حين أصيب بمرض شديد وشاهد فيها رجلا مشرق الوجه يحارب قوى الشر لحمايته ، وحين سأله من أنت؟ أجاب الرجل انه سورة يس .
بمجرد أن شق إبن عربي طريقه في عالم الصوفية حتى انتج ما يقرب من 800 كتاب في الفلسفة والشعر والفقه ترجمت الى لغات عديدة ولم تكن حكرا على المسلمين بل للإنسانية أجمع .
وبعد قرون من التشكيك والإساءات جاءت أدلة البراءة على لسان كبار علماء المسلمين الذين كان أجدادهم يشكك بإبن عربي بل ويعتبر ان تصوفه فاق ما إعتاد على فهمه الناس .
لقد حول إبن عربي تلك الرؤيا التي قد تمر مرور العابرين على بعض الناس الى بداية جديدة متألقة ومشرقة ومنتجة لكم هائل من الأفكار الإبداعية .
هذا منعطف يختلف كثيرا عن منعطفات أخرى قد يتحول كل شيء فيها الى رماد حين لا نحسن إيجاد المخارج الملائمة لها فالصداقة الوطيدة التي جمعت بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف كانت وليدة الصدفة حين كان عبد الكريم قاسم معلما في الكلية العسكرية وعبد السلام كان طالبا بالفرقة الأولى ، لكن تلك البداية أنتجت منعطفات خطرة قادت لأن يقتل الطالب المعلم بعد ذلك بعقود من الزمن .
ولعل من المفارقة ان عبد السلام كان قد حكم بالإعدام مع وقف التنفيذ حين كان قاسم ممسكا بزمام الأمور فراسله من السجن برسالة تقول:
( إنني منك كهارون من موسى، لقد طال انتظار عطفك عليّ ورأفتك بي.. إن أطفالي ينتظرونني)
فتثور العاطفة في صدر قاسم ويوقع قرار إطلاق السراح الذي لم يمنع عارف من أن يكون ضليعا في محاكمة قاسم الصورية التي إنتهت بإعدامه بعد إنقلاب عام 1963.
ثمة منعطفات نكون فيها أقدر على إعادة ترتيب أوراقنا لنصبح أقوى وأسمى وأقدر على العطاء وأخرى تعيدنا الى المربع الأول أو تنهينا والفطن هو من ينسق أوراقه كي لا تتبعثر على حافة الريح .