بقلمي/المحامي محمد حسن
سوريه .حلب
قفز بها بقوة خلف السور . لم يكن له الخيار. كان خياره الأوحد رغم ارتفاع السور الشاهق، كان الوقت قصيرا أقصر من رفة عين، لم يتثن له مراجعة حساباته. لم يستطع إبطاء عقارب ساعته، هي تتسابق مع زمنه الضائع، كل الدلائل تشير إلى الخطر المحدق، تقمز أرضا جاثيا على ركبتيه. وقفت على كتفيه بأوامر منه، كانت تنتعل حذاء هو أهداه لها يوم عودتها من السفر. استطاعت غرس مخالبها على كتفيه. وقف بها رغم حجم الألم، رفعها بعزيمة بكلتا يديه، كانت ثقيلة بعض الشيء، حمل معها كل أيام الوجع. ساعده بذلك حبه الدفين لها، وصلت أصابعها أخيرا حافة السور، لم يكن مفتول العضلات، قوة خارقة استثنائية دبت في عروقه، وهو يحاول إيصالها خلف السور حيث بر الأمان، كان العسكر على بعد قدم وساقين من تواجدهما، هو يعرف مصيره المحتوم، يعي ما تخبئ له تلك العصابة المجرمة التي تمرست فنون القتل، لدرجة أنهم يتلذذون به.
إنه الموت البطيء جدا، موت على الطريقة الشرقية باحتراف، سوف ينقش على جسده موزايك بلدي أصيل، وتطعم أوصاله بنحت فسيفسائي شرقي مختلف. تلك الطريقة التي استوردها أبناء جلدته، وغدت تراثا يفتخرون به، لجعله عبرة لغيره، لم يكترث في خلده، همه الوحيد إنقاذ زوجته،همه أن توهب لها الحياة. هو وعدها ذات ود، عندما غنى مع القمر، يومها كان يساهر النجمات، ويشرب معها نخب العشق كل العمر.. إنه سوف يضحي لأجلها يوما ما.. أحب الوفاء، هو يعشق الإخلاص. يذوب في الطهر، ويحتسي الحب ترياقا للعفة.
لم تكن روحه هي الأغلى، حاول تقديم فروض الطاعة لكلمة خرجت من فيه. لموقف، لتاريخ، كان يمكنه التسلق أولا ثم سحبها، لكنها كانت مجازفة ربما قد تودي بكليهما.
أدار ظهره نحو السور وهو ينظر إلى الجنود القادمين إليه، الوحوش الضارية أرحم منهم، لم يثق بقدرة الحجارة على حماية زوجته. كان لابد من إسناد السور بظهره، وبذلك كل الأمان.
_ وليد حبيبي لقد وصلت إلى الأرض، أنا الآن في بر الأمان…
_ زوجي الغالي اقفز أنا أنتظرك. لا تتأخر. سوف يمزقك مرتزقة الحرب. تعال…أحتاجك… لا أستطيع العيش بدونك…
هي تعرف أنه لن يستطع، ومن الاستحالة عليه تسلق هذا العلو، وتعرف أن الحياة التي كسرته، وجعلته قزما لن تهديه أجنحتها ليطير وأن زمن المعجزات قد ولى إلى غير رجعة، وأن الحب الذي يحطم كل الأسوار ذهب ولن يعود
_ سامحني حبيبي فقد كسرتك مرتين